كتاب التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل (اسم الجزء: 10)

وإنما كان النقل بالهمزة، ولم يكن بالتضعيف؛ لأنَّ التضعيف فيه تكلُّف وعلاج، قاله بعض أصحابنا، يعني أنهم قالوا: ما أَحْسَنَ زيدًا! وما أَظرَفَه! ولم يقولوا: ما حَسَّنَ زيدًا، وما ظَرَّفه، بتضعيف العين. وإنما عدلوا إلى الهمزة لما في التضعيف من اجتماع الأمثال في نحو: ما شَدَّده، ومن الجمع بين المعتلّين والتشديد في: ما طَوَّلَه، وما بَيَّنَه، فعدلوا إلى الهمزة لأنَّ النطق بها أخف، نحو،: ما أَشَدَّه! وما أطْوَلَه! وما أبْيَنَه!
وقوله وهمزةُ أَفْعِلْ للصيرورة قال المصنف في الشرح: «أي: لتحوّل فاعله ذا كذا، فأصل قولك أحْسِنْ بزيد! أَحْسَنَ زيدٌ، أي: صار ذا حُسنٍ تامّ، وهو نظير أثري الرجل: صار ذا ثروة، وأَتْرَبَ: صار ذا مالٍ كالتراب، وأَنْجَبَ، وأَظْرَفَ: صار ذا ولد نجيب، وذا ولد ظريف، وأخْلَتِ الأرضُ، وأَكْلأَتْ، وأَكْمَأَتْ: صارت ذات خلاً وكَلأٍ وكَمْأةٍ، وأَوْرَقَتِ الشجرةُ، وأَزْهَرَتْ، وأثْمَرَتْ: صارت ورقٍ وزهر وثَمر» انتهى.
وهذا الذي ذكره هو مذهب جمهور البصريين. ومَنْ ذهب إلى أنَّ أَحْسِنْ فعلُ أمر حقيقة فليست الهمزة فيه للصيرورة، بل هي للتعديه. وإنما كثَّر المصنف المثل بأَفْعَلَ ـ أي: صار صاحب كذا ـــ لُيِرِيَ أنه باب متَّسع، فلا يُنكر أن يُدَّعى ذلك في أَحْسِنْ أنه بمعنى أَحْسَنَ، أي: صار ذا حُسْن، ومع ذلك فاقتياسه في فعل التعجب ـ أعني استعمال صورة الأمر بمعنى أَفْعَلَ، أي: صار ذا كذا ــ يدلُّ على أنه ليس منه؛ لأنَّ أَفْعَلَ بمعنى صار ذا كذا لا ينقاس وإن كان قد جاءت منه ألفاظ كثيرة.
وقال بعض أصحابنا: وأَفْعِلْ محمول على أَفْعَلَ في التغيير من فَعُلَ. يعنى أنه
من: حَسُنَ زيدٌ، ثم أَدخلتَ عليه همزة الصيرورة، فقلتَ: أَحْسَنَ زيدٌ، ثم أتيت بصورة أَفْعِلْ منه.

الصفحة 205