كتاب الله يتجلى في عصر العلم

ان الانسان لا يستطيع ان يكون حرا او ان يعيش معيشة انسانية الا في عالم يقوم على الأخلاق وعلى تحمل المسؤوليات، فالناس متساوون وأحرار لا لشيء الا لأنهم عباد الله، اي لم تقم المساواة بينهم الا بوصفهم خلفاء الله على الأرض، فهي مساواة من وجهة نظر الله (¬1) والقانون الأخلاقي. فاذا أنكر وجود الله وأنكر القانون الأخلاقي فلا سبيل إلى انكار الاستعباد ولا آلي محاربة المبدأ الذي يرى أن القوة هي الحق، او إلى محاربة الجشع واستغلال البشر.
واذا لم يكن لدى الناس قيم داخلية، فأنى تكون لهم حرية اختيار مطلقة تنبعث عن النفس او واجب مطلق. ان ذلك يؤدي إلى فهم هذه القيم فهما سطحيا والى امكان استخدامها لتحقيق الأثرة والتوسع في الصالح الشخصي كاستخدام الآلة او الرقيق في أيدي ذوي السلطان.
ان الحقوق التي أعطاها الله للانسان لا يستطيع ان يستردها سواه، أما الحقوق التي يعطيها الإنسان لأخيه والانسان، او تعطيها له إحدى المؤسسات التي صنعها البشر فليس من العسير انكارها او استردادها. فاذا لم تكن حقوقنا الثابتة صادرة عن المصدر الأعظم، عن الخالق، فمن الجهل والحماقة ان نظن ان للبشر حقوقا لا يستطيع انسان او مؤسسة من المؤسسات التي صنعها الناس ان يتغافلها او ينكرها، وعلى ذلك فانه ليس للإنسان الحق في ان يدعي ان له قيمة داخلية او كرامة او حقوقا او واجبات مطلقة، أو مسؤوليات الا بوصفه مخلوقا من مخلوقات الله.
وأعوذ فأقول هل الأخوة بين الناس اتفاق مادي يقوم على أساس ان القوة وحدها هي التي تحدد سلوك الأفراد والجماعات، ام ان هذه الاخوة ترجع آلي اشتراكنا في
¬_________
(¬1) - يصف القرآن الكريم هذه المساواة وصفا رائعا في عدة آيات، منها:
(يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، ان أكرمكم عند الله اتقاكم) سورة الحجرات، آية: 12. ويقول محمد عليه الصلاة والسلام: (لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى) ، (الناس سواسية كأسنان المشط..) الخ.

الصفحة 164