كتاب صفة النفاق ونعت المنافقين لأبي نعيم

أُبَيٍّ، وَقَالَ: {يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: 7] ، يَعْنِي: مَنْ حَوْلَهُ مِنَ الأَعْرَابِ، وَكَانُوا يَحْضُرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الطَّعَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: إِذَا انْفَضُّوا مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدٍ فَأْتُوا مُحَمَّدًا بِالطَّعَامِ فَلْيَأْكُلْ هُوَ وَمَنْ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْكُمُ الأَذَلَّ.
قَالَ زَيْدُ: وَأَنَا رَدِيفُ عَمِّي، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ وَكُنَّا أَخْوَالَهُ، فَأَخْبَرْتُ عَمِّي، فَانْطَلَقَ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ، فَأَرَسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَلَفَ وَجَحَدَ، قَالَ: فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَنِي، فَجَاءَ إِلَيَّ عَمِّي، فَقَالَ: مَا أَرَدْتَ إِلا أَنْ مَقَتَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَّبَكَ الْمُسْلِمُونَ.
قَالَ: فَوَقَعَ عَلَيَّ مِنَ الْهَمِّ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ إِذْ خَفَقَنِي رَأْسِي مِنَ الْهَمِّ، إِذْ أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، فَمَا كَانَ يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الْخُلْدَ أَوِ الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَحِقَنِي، فَقَالَ: مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا إِلا أَنَّهُ عَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، قَالَ: أَبْشِرْ.
وَلَحِقَنِي عُمَرُ، فَقُلْتُ لَهُ قَوْلِي لأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ الْمُنَافِقُونَ "

الصفحة 46