كتاب التفسير والمفسرون (اسم الجزء: 1)

ونفس ترجى وصلها بعد صرمها ... تجمل كى يزداد غيظاً حسودها
والنفس: العين التى تصيب الإنسان يقال: أصابت فلاناً نفس: أى عين، وروُى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقى فيقول: "بسم الله أرقيك، واللهُ يشفيك، من كل داء يؤذيك، وداء هو فيك، من كل عين عائن، ونفس نافس، وحسد حاسد".
وقال ابن الأعرابى: النفوس: التى تصيب الناس بالنفس، وذكر رجلاً فقال: كان واللهِ حسوداً نفوساً كذوباً، وقال عبد الله بن قيس الرقيات، وهو قرشى:
يتقى أهلها النفوس عليها ... فعلى نحرها الرقى والتميم
وقال مضرس الفقعسى:
وإذا نموا صعداً فليس عليهم ... منا الخيال ولا نفوس الحُسَّدِ
وقال ابن هرمة، يمدح عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك:
فاسلم، سلمتَ من المكاره والردى ... وعثارها، ووُقيتَ نفس الحُسَّدِ
والنفس أيضاً من الدباغ بمقدار الدبغة، تقول: أعطنى نفساً من دباغ، أى قدر ما أدبغ به مرة. والنفس: الغيب، يقول القائل: إنى لا أعلم نفس فلان: أى غيبه. وعلى هذا تأويل قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] : أى تعلم غيبى وما عندى، ولا أعلم غيبك. وقيل: إن النفس أيضاً: العقوبة، من قولهم: أحذرك نفسى: أى عقوبتى وبعض المفسِّرين يحمل قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} [آل عمران: 28، 30] على هذا المعنى كأنه: يحذركم عقوبته، وروى ذلك عن ابن عباس والحسن وآخرين، قالوا: معنى الآية: يحذركم الله إياه. وقد رُوى عن الحسن ومجاهد فى قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} ما ذكرناه من التأويل بعينه.
فإن قيل: ما وجه تسميته "الغيب" بأنه نفس؟ قلنا: لا يمتنع أن يكون الوجه فى ذلك: أن نفس الإنسان لما كانت خفية الموضع، نزل ما يكتمه ويجتهد فى ستره منزلتها، وسمى باسمها فقيل فيه: إنه نفسه، مبالغة فى وصفه بالكتمان والخفاء. وإنما حَسُن أن يقول تعالى مخبراً عن نبيه عليه الصلاة والسلام: {وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} من حيث تقدم قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} ليزدوج الكلام، ولهذا لا يحسن ابتداءً: أنا لا أعلم ما فى نفس الله تعالى وإن حَسُنَ على الوجه الأول، ولهذا نظائر فى الاستعمال مشهورة مذكورة. فأما الخبر الذى يرويه السائل فتأويله ظاهر، وهو خارج على مذهب العرب فى مثل هذا الباب المعروف، ومعناه: أن مَن ذكرنى فى نفسه جاريته على ذكره لى، وإذا تقرَّب إلىّ شِبْراً جازيته على تقربه إلىّ.. وكذلك الخبر إلى آخره، فسمى المجازاة على الشئ باسمه اتساعاً، كما قال تعالى: {وَجَزَآءُ

الصفحة 294