كتاب التفسير والمفسرون (اسم الجزء: 1)

منكراً، والإيجاز فى ذكر {لِّلْمُتَّقِينَ} . زادنا الله اطلاعاً على أسرار كلامه، وتييناً لنكت تنزيله، وتوفيقاً للعمل بما فيه".
* *
* تذرعه بالمعانى اللغوية لنُصرة مذهبه الاعتزالى:
كذلك نرى الزمخشرى - كغيره من المعتزلة - إذا مَرَّ بلفظ يشتبه عليه ظاهره ولا يتفق مع مذهبه، يُحاول بكل جهوده أن يُبطل هذا المعنى الظاهر، وأن يُثبت للفظ معنى آخر موجوداً فى اللغة.
فمثلاً يراه عندما تَعَرَّضَ لتفسير قوله تعالى فى الآيتين [22، 23] من سورة القيامة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .. يتخلص من المعنى الظاهر لكلمة "ناظرة"، لأنه لا يتفق مع مذهبه الذى لا يقول برؤية الله تعالى، ونراه يثبت له معنى آخر هو التوقع والرجاء، ويستشهد على ذلك بالشعر العربى فيقول ما نصه: {إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} : تنظر إلى ربها خاصة لا تنظر إلى غيره، وهذا معنى تقديم المفعول، ألا ترى إلى قوله: {إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر} [القيامة: 12] .. {إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق} [القيامة: 30] .. {إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} [الشورى: 53] .. {إلى الله المصير} [آل عمران: 28، النور: 42، فاطر: 18] .. {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245] .. {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: 1] كيف دَلَّ فيها التقديم على معنى الاختصاص، ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر، ولا تدخل تحت العدد، وفى محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم، فإن المؤمنين نظَّارة ذلك اليوم، لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظوراً إليه محال، فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص. والذى يصح معه أن يكون من قول الناس: أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بى، تريد معنى التوقع والرجاء، ومنه قول القائل:
وإذا نظرتُ إليك من ملك ... والبحر دونك زدتنى نعماً
وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر، حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون إلى مقائلهم، تقول: عُيينتى نويظرة إلى الله وإليكم" والمعنى: أنهم لا يتوقون النعمة والكرامة إلا من ربهم، كما كانوا فى الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه".
* *
* اعتماده على الفروض المجازية، وتذرعه بالتمثيل والتخييل فيما يُستبعد ظاهره:
كذلك نرى الزمخشرى يعتمد فى تفسيره على الفروض المجازية فى الكلام الذى يبدو فى حقيقته بعيداً وغريباً.

الصفحة 315