كتاب التفسير والمفسرون (اسم الجزء: 1)

* *
* مبدأ الزمخشرى فى التفسير عندما يصادم النص القرآنى مذهبه:
والمبدأ الذى يسير عليه الزمخشرى فى تفسيره ويعتمد عليه عندما تصادمه آية تخالف مذهبه وعقيدته، هو حمل الآيات المتشابهة على الآيات المحكمة، وهذا المبدأ قد وجده المزمخشرى فى قوله تعالى فى الآية [7] من سورة آل عمران: {هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكتاب وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} .. فـ "المحكمات" هى التى أحكمت عباراتها، بأن حُفظت من الاحتمال والاشتباه. و "المتشابهات" هى المتشبهات المحتملات. و "أم الكتاب" هى أصله الذى يُحمل عليه المتشابه، ويُرَد إليه، ويُفسَّر به.
علىَ هذا التفسير جرى الزمخشرى فى كشَّافه عندما تَعرَّض لهذه الآية، وهو تفسير لا غبار عليه، كما أن هذا المبدأ - أعنى مبدأ حمل الآيات المتشابهات على الآيات المحكمات - مبدأ سليم يقول به غير الزمخشرى أيضاً من علماء أهل السُّنَّة، ولكن الذى لا نُسَلِّمه للزمخشرى هو تطبيقه لهذا المبدأ على الآيات التى تصادمه، فإذا مَرَّ بآية تُعارِض مذهبه، وآية أخرى فى موضوعها تشهد له بظاهرها، نراه يَدَّعى الاشتباه فى الأولى والإحكام فى الثانية، ثم يحمل الأولى على الثانية وبهذا يُرضى هواه المذهبى، وعقيدته الاعتزالية.
وقد مَثَّل الزمخشرى لحملِ المتشابه على المحكم ورده إليه بقوله تعالى فى الآية [103] من سورة الأنعام: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار} . وقوله فى الآيتين [22، 23] من سورة القيامة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .. فهو يرى أن الآية الأولى محكمة، والآية الثانية متشابهة، وعليه فتجب أن تكون الآية الثانية متفقة مع الآية الأولى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بحملها عليها، وردها إليها.
ومَثَّل أيضاً بقوله تعالى فى الآية [28] من سورة الأعراف: {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا والله أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشآء أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ، وقوله فى الآية [16] من سورة الإسراء: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القول فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} .. فهو يرى أن الآية الأولى محكمة، والآية الثانية متشابهة، فلا بد من حمل الثانية على الأولى ليتفق المعنى ويتحدد المراد.
ثم لا ينتهى الزمخشرى من تطبيقه لهذا المبدأ حتى يتساءل عن السبب الذى من أجله لم يكن القرآن كله محكماً، وعن السر الذى من أجله جعل الله فى القرآن آيات

الصفحة 321