كتاب التفسير والمفسرون (اسم الجزء: 1)

مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} .. نجده يجعل هذه الآية أهمية كبيرة فى نُصْرة مذهبه، ويتيه بها على خصومه من أهل السُّنَّة، ويُنَدِّد بهم حيث يقولون بجواز مغفرة الذنب وإن لم يتب منه صاحبه، وبأن صاحب الكبيرة لا يخلد فى النار، فيقول مستغلاً لهذه الفرصة المواتية للاستهزاء من خصومه السُّنِّين: "هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد، والإبراق والإرعاد، أمر عظيم وخَطْبٌ غليظ، ومن ثَمَّ رُوِى عن ابن عباس ما رُوِى من أن توبة قاتل المؤمن عمداً غير مقبولة، وعن سفيان: كان أهل العلم إذا سُئِلوا، قالوا: لا توبة له، وذلك محمول منهم على الاقتداء بسُنَّة الله فى التغليظ والتشديد، وإلا فكل ذنب ممحو بالتوبة، وناهيك بمحو الشرك دليلاً، وفى الحديث: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم". وفيه: "لو أن رجلا قُتِلَ بالمشرق وآخر رَضِىَ بالمغرب لأُشِرَك فى دمه" وفيه: "إن هذا الإنسان بنيان الله، ملعون مَن هدم بنيانه". وفيه: "مَن أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله". والعجب من قوم يقرأون هذه الآية ويرون ما فيها ويسمعون هذه الأحاديث العظيمة وقول ابن عباس بمنع التوبة، ثم لا تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة، واتباعهم هواهم، وما يُخَيِّل إليهم مُناهم، أن يطمعوا فى العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} [محمد: 24] .. ثم ذكر الله سبحانه وتعالى التوبة فى قتل الخطأ - لما عسًى يقع من نوع تفريط فيما يجب من الاحتياط والتحفظ - فيه حسم للأطماع وأى حسم، ولكن لا حياة لمن تنادى، فإن قلت: هل فيها دليل على خلود مَن لم يتب من أهل الكبائر؟ قلت: ما أبين الدليل، وهو تناوله قوله: {وَمَن يَقْتُلْ} أىُّ قاتل كان، من مسلم أو كافر، تائب أو غير تائب، إلا أن التائب أخرجه الدليل، فمَن ادَّعى إخراج المسلم غير التائب فليأت بدليل مثله".
وفى سورة الأنعام عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [158] : {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْراً} .. نجد الزمخشرى يمسك بهذه الآية، ويستدل بها على صحة عقيدته فى أن الكافر والعاصى سواء فى الخلود فى النار فيقول: "والمعنى أن أشراط الساعة إذا جاءت - وهى آيات ملجئة مضطرة - ذهب أوان التكليف عندها، فلم ينفع الإيمان حينئذ نفساً غير مقدَّمة إيمانها من قبل ظهور الآيات، أو مقدِّمة الإيمان غير كاسبة فى إيمانها خيراً، فلم يُفَرِّق - كما ترى - بين النفس الكافرة إذا آمنت فى غير وقت الإيمان، وبين النفس التى آمنت فى وقته ولم تكسب خيراً، ليعلم أن قوله: {الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} جمع

الصفحة 323