كتاب التفسير والمفسرون (اسم الجزء: 1)

الله تعالى لا يخلق الهدى ولا الضلال، وأنهما من جملة مخلوقات العباد. وكم تخرق عليه هذه العقيدة فيروم أن يرقعها، وقد اتسع الخرق على الراقع".
وعندما تكلم الزمخشرى عن قوله تعالى فى الآية [43] من سورة الأعراف: {وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهاذا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أَنْ هَدَانَا الله} وتأوَّل الهداية هنا بمعنى اللُّطف والتوفيق كعادته. تعقبه ابن المنير وردّ عليه رداً فى غاية التهكم والسخرية فقال: "وهذه الآية - يعنى قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أَنْ هَدَانَا الله} - تكفح وجوه القدرية بالرد، فإنها شاهدة شهادة تامة مؤكدة باللام على أن المهتدى مَنْ خلق الله له الهدى، وأن غير ذلك محال أن يكون، فلا يهتدى إلا مَن هدى الله ولو لم يهده لم يهتد، وأما القدرية فيزعمون أن كل مهتد خلق لنفسه الهدى فهو إذن مهتد وإن لم يهده الله، إذ هدى الله للعبد خلق الهدى له، وفى زعمهم أن الله تعالى لم يخلق لأحد من المهتدين الهدى ولا يتوقف ذلك على خلقه. تعالى الله عما يقولون. ولما فطن الزمخشرى لذلك جرى على عادته فى تحريف الهدى من الله تعالى إلى اللُّطف الذى بسببه يخلق العبد الاهتداء لنفسه. فأنصِف من نفسك، واعرِض قول القائل: المهتدى مَن اهتدى بنفسه من غير أن يهديه الله - أى يخلق له الهدى - على قوله تعالى حكاية عن قول الموَحِّدين فى دار الحق: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أَنْ هَدَانَا الله} .. وانظر تباين هذين القولين - أعنى قول المعتزلى فى الدنيا وقول الموَحِّد فى الآخرة فى مقعد صدق - واختر لنفسك أى الفريقين تقتدى به. وما أراك - والخطاب لكل عاقل - تعدل بهذا القول المحكى عن أولياء الله فى دار الإسلام منوهاً به فى الكتاب العزيز، قول قدرى ضال تذبذب مع هواه وتعصبه فى دار الغرور والزوال. نسأل الله حُسْن المآب والمآل".
* *
* خصومة العقيدة بين الزمخشرى وأهل السُّنَّة:
ومن أجل هذا الخلاف العقيدى بين الزمخشرى وأهل السُّنَّة، نجد الخصومة بينهم حادة عنيفة، كل يتهم خصمه بالزيغ والضلال، ويرميه بأوصاف يسلكه بها فى قرن واحد مع الكفرة الفجرة، وتلك - على ما أعتقد - مبالغة مُسِفَّة فى الخصومة - ما كان ينبغى لأحد الخصمين أن يخوض فيها على هذا الوجه. وبخاصة بعد ما عُرِف من أن كليهما يهدف إلى تنزيه الله عما لا يليق بكماله. وإليك بعض الحملات التى وجهها كل من الخصمين إلى الآخر، لتلمس بنفسك مبلغ هذه الخصومة وتحكم عليها:
* ح

الصفحة 327