كتاب التفسير والمفسرون (اسم الجزء: 2)
"هناك مذاهب ابتُدعت فى الدين للضلال والإضلال بسبب السياسة، وفسر مبتدعوها الآيات فى التأويل ليردوها إلى مذاهبهم المبتدعة وجاء أتباعهم فقلدوهم.
"أما المبتدعون فأمرهم واضح.. اشتروا الضلالة بالهُدى.
"وأما الأتباع فكان عليهم أن ينظروا فى الآيات ويتدبروها عملاً بقوله سبحانه: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59] ، فهم أيضاً اشتروا الضلالة بالهُدى ولهم بعض العذر".
ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [6] من سورة الحجرات: {ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} ... . الآية، نجده يقول: ".. وللتثبت فى الأخبار فضيلة ليست كثيرة عند الناس، وأكثر الناس يقعون فى تصديق الأخبار من حيث لا يشعرون، ولبعض مهرة الكاذبين حيل تخفى على أشد الناس تثبتاً من الأخبار.
"وكثيراً ما يقع عدم التثبت من العظماء الذين يملكون النفع والضرر يجيئهم ذلك من ناحية استبعاد أن يكذب بطانتهم عليهم وهو مدخل للخطر عظيم.
"والذين هم فى أشد الحاجة إلى العمل بهذه الآية هم الذين بيدهم مقاليد الأُمور؟ وبيدهم الضر والنفع. أما الذين لا يملكون ضراً ولا نفعاً فحاجتهم إليها أقل من حاجة هؤلاء.
"والآية - على العموم - أدب عظيم لا بد منه لتكميل النفس، وإعدادها لتعرف الحق والبُعْد عن مواطن الباطل".
* *
* توفيقه بين القرآن والعلم الحديث:
هذا.. وإن الأستاذ المراغى - رحمه الله - كان مع اعتقاده أن القرآن قد أتى بأُصول عامة، لكل ما يهم الإنسان معرفته والعلم به، يكره أن يسلك المفسِّر للقرآن مسلك مَن يجر الآية القرآنية إلى العلوم، أو العلوم إلى الآية، كى يُفسِّرها تفسيراً علمياً يتفق مع نظريات العلم الحديث.
نعم.. كره الشيخ هذا المسلك فى التفسير، وجهر بخطأ أصحابه المولعين به، وكرر هذا فى مواضع كثيرة، فكان مما قاله فى بعض المواضع من دروسه فى التفسير: "وُجِد الخلاف بين المسلمين فى العقائد والأحكام الفقهية. ووُجِد عندهم مرض آخر هو الغرور بالفلسفة وتأويل القرآن ليُرجع إليهم، وتأويله لبعض النظريات العلمية التى لم يقر قرارها، وذلك خطر عظيم على الكتاب، فإن للفلاسفة أوهاماً لا تزيد على هذيان المصاب بالحمى، والنظريات التى لم تستقر لا يصح أن يُرَد إليها كتاب الله".
ولكن الأستاذ المراغى مع هذا كله كان يرى أن يكون مفسِّر كتاب الله على شئ من
الصفحة 442
464