كتاب التفسير والمفسرون (اسم الجزء: 2)

العلم ببعض نظريات العلم الحديث، ليستطيع أن يأخذ منها دليلاً على قدرة الله، ويستلهم منها مكان العبرة والعظة.
كان الشيخ يرى هذا، ويعتقد أنه هو المسلك السليم لفهم القرآن الكريم، فجهر به فى أحد دروسه فى التفسير فقال: "ليس من غرض مفسِّر كتاب الله أن يشرح عالَم السموات، ومادته وأبعاده، وأقداره، وأوزانه، لكنه يجب أن يلم بطرف يسير منه، ليدل به على القدرة الإلهية ويشير إليه للعظة والاعتبار".
ثم وجدنا الأستاذ المراغى بعد هذا يشرح قوله تعالى فى الآية [10] من سورة لقمان: {خَلَقَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} شرحاً يقوم على هذا المبدأ الذى ارتضاه فقال: {خَلَقَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} السموات مجموع ما نراه فى الفضاء فوقنا من سيّارات، ونجوم وسدائم وهى مرتبة بعضها فوق بعض تطوف دائرة فى الفضاء، كل شىء منها فى مكانه المقدّر له بالناموس الإلهى ونظام الجاذبية، ولا يمكن أن يكون لها عَمَد، والله هو ممسكها ومجريها إلى الأجل المقدَّر لها.. فإذا قيل: إن نظام الجاذبية وهو الناموس الإلهى قائم مقام العَمَد ويُطلق عليه اسم العَمَد جاز أن نقول: إن لها عَمَداً غير منظورة، وإذا لاحظنا أنه لا يوجد شىء مادى تعتمد عليه، وجب أن نقول: إنه لا عَمَد لها، وأقدار الأجرام السماوية وأوزانها أقدار وأوزان لا عهد لأهل الأرض بها، والأرض نفسها إذا قيست بهذه الأجرام ليست إلا هباءة دقيقة فى الفضاء".
ثم قال: "قرر الكتاب الكريم أن الأرض كانت جزءاً من السموات وانفصلت عنها، وقرر الكتاب الكريم أن الله {استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت: 11] ، وهذا الذى قرره الكتاب الكريم هو الذى دل عليه العلَم وقد قال العلماء: إن حادثاً كونياً جذب قطعة من الشمس وفصلها عنها، وإن هذه القطعة بعد أن مرت عليها أطواراً تكسرت وصارت قطعاً، كل قطعة منها صارت سيَّاراً من السيَّارات، وهذه السيَّارات طافت حول الشمس وبقيت فى قبضة جذبتها، والأرض واحدة من هذه السيَّارات فهى بنت الشمس، والشمس هى المركز لكل هذه السيَّارات.. فليست الأرض هى مركز العالَم كما ظنه الأقدمون، بل الشمس هى مركز هذه المجموعة، والشمس وتوابعها قوى صغيرة فى العالَم السماوى، وأين هى من الشِعْرَى اليمانية التى قال الله سبحانه فيها: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} [النجم: 49] ، فهذا النجم قدرته على إشعاع الضوء تساوى قوة الشمس (26) مرة، وقدرته على إشعاع الحرارة مثل قدرته على إشعاع الضوء، فلو فُرض أن الشِّعْرَى اليمانية حلَّت محل الشمس يوماً من الأيام، لانتهت الحياة فجأة، بغليان الأنهار، والمحيطات والقارات الجليدية التى حول القطبين،

الصفحة 443