كتاب التفسير والمفسرون (اسم الجزء: 2)
حُججاً دامغة، وأدلة قوية على مَن يجحدون قدرة الله وينكرون وجوده". سمعناه يقول ما هذا معناه، ثم يستدل على ما ذهب إليه بأنهم يقولون: "ألقمته حجراً" يعنى أقمت عليه الحُجَّة فلم يحر جواباً، ثم يستشعر الشيخ بعد ذلك أن فى القرآن آيات كثيرة تصادم هذا الفهم، كقوله تعالى فى الآيات [6-10] من سورة الصافات: {إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب * وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لاَّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ الأعلى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ * إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} ، وكقوله فى الآيتين [8-9] من سورة الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً} .. يستشعر الشيخ مصادمة هذه الآيات لرأيه فيقول ما معناه: "وهناك آيات أخرى فى هذا المقام، تبدو مخالفة لهذا المعنى، ولكن يمكن حملها عليه، وليس فى الوقت متسع لذلك، وسنعرض لها فى موضع غير هذا".
ولست أدرى كيف كان يستطيع الشيخ - رحمه الله - أن يحمل كل الآيات الواردة فى هذا الموضوع على المعنى الذى قاله حملاً صحيحاً، وهى كما ترى صريحة فى أن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء ويسترقون السمع، ثم مُنِعوا من ذلك عند رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فمَن حاول منهم استراق السمع - كما كانوا يفعلون من قبل - رُمِى بشهاب من السماء فحال بينه وبين ما يريد.
وخاتمة المطاف فى هذه الدروس التى ألقاها الأستاذ الأكبر فى التفسير: أنه كان منها - كما قيل - أمران عظيمان لهما خطرهما فى الحياة الدينية: كانت عاملاً قوياً فى توجيه المسلمين ونشئهم الطيب الطاهر إلى الجانب الدينى، ولفت أنظارهم إلى ما فى كتاب الله من تشريع حكيم، وأدب جم كريم، وإشاد قَيِّم مفيد، فحببَتْ إليهم الدين، وزيَّنته فى قلوبهم، وهرعوا إليه يتعرفون حكمه وأحكامه، ويتلمسون بها حياة طيبة ونهضة قوية، أساسها الدين والخُلُق الكريم.
وكانت هذه الدروس أيضاً: منار هدى وإرشاد، يلقى أشعته الوضَّاءة على عقول المشتغلين بتفسير القرآن، فيضىء لهم الطريق الذى ينبغى أن يسلكوه فى فهم كتاب الله، واستخلاص آدابه وأحكامه، خالصة مما جاورها من إسرائيليات وتأويلات أبعدت أهل الدين عن الدين، وشغلتهم فى تفسير القرآن لما لا يَمُت إلى روحه ومعناه،
الصفحة 446
464