كتاب الإيمان لابن تيمية

" جُهْد مُقل ". قال: أي الجهاد أفضل؟ قال: " أن تجاهد بمالك ونفسك، فيُعَقْرُ جَوَادُك، ويُراق دَمُك ". قال أي الساعات أفضل؟ قال: " جَوْف الليل الغَابِر ".
ومعلوم أن هذا كله مراتب، بعضها فوق بعض، وإلا فالمهاجر لابد أن يكون مؤمناً، وكذلك المجاهد؛ ولهذا قال: " الإيمان: السماحة والصبر "، وقال في الإسلام: " إطعام الطعام، وطيب الكلام ". والأول مستلزم للثاني؛ فإن من كان خلقه السماحة، فعل هذا بخلاف الأول؛ فإن الإنسان قد يفعل ذلك تَخَلُّقاً، ولا يكون في خلقه سماحة وصبر. وكذلك قال: " أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده ". وقال: " أفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً "، ومعلوم أن هذا يتضمن الأول؛ فمن كان حسن الخلق فعل ذلك.
قيل للحسن البصري: ما حُسْن الخلق؟ قال: بَذْل النَّدَى، وكَفُّ الأذى، وطلاقة الوجه. فكف الأذى جزء من حسن الخلق.
وستأتي الأحاديث الصحيحة بأنه جعل الأعمال الظاهرة من الإيمان كقوله: " الإيمان بِضْعٌ وسبعون شُعْبَة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إمَاطَة الأذى عن الطريق ". وقوله لوَفْد عبد القَيْس: " آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خُمُسَ ما غَنِمْتُم ".
ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيمانًا بالله بدون إيمان القلب؛ لما قد أخبر في غير موضع، أنه لابد من إيمان القلب، فعلم أن هذه مع إيمان القلب

الصفحة 10