كتاب الإيمان لابن تيمية
وهو الإيمان، وفي المسند عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الإسلام عَلاَنِيَة، والإيمان في القلب ". وقال صلى الله عليه وسلم: " إن في الجسد مُضْغَة، إذا صَلُحَت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب ". فمن صلح قلبه صلح جسده قطعاً، بخلاف العكس.
وقال سفيان بن عُيَيْنَة: كان العلماء فيما مَضى يكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات: من أصلح سَرِيرَته، أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته، كَفَاه الله أمر دنياه. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب [الإخلاص] .
فعلم أن القلب إذا صلح بالإيمان، صلح الجسد بالإسلام، وهو من الإيمان؛ يدل على ذلك أنه قال في حديث جبرائيل: " هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم ". فجعل الدين هو الإسلام، والإيمان، والإحسان. فتبين أن ديننا يجمع الثلاثة، لكن هو درجات ثلاث: مسلم ثم مؤمن ثم محسن، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر: 32] ، والمقتصد والسابق كلاهما يدخل الجنة بلا عقوبة، بخلاف الظالم لنفسه. وهكذا من أتى بالإسلام الظاهر مع تصديق القلب، لكن لم يقم بما يجب عليه من الإيمان الباطن، فإنه معرض للوعيد، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وأما [الإحسان] فهو أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإيمان. و [الإيمان] أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإسلام. فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخص من المؤمنين، والمؤمنون أخص من المسلمين. وهذا كما يقال: في [الرسالة
الصفحة 11
384