كتاب لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان

وَقَالَ مَا تصنع الْكَعْبَة بِهَذَا المَال مَوْضُوعا فِيهَا لَا ينْتَفع بِهِ نَحن أَحَق بِهِ نستعين بِهِ على حربنا وَأخرجه وَتصرف فِيهِ وَبَطلَت الذَّخِيرَة من الْكَعْبَة من يَوْمئِذٍ ذكر ذَلِك كُله ابْن خلدون فِي تَارِيخه وَفِي كتَابنَا رحْلَة الصّديق إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق من شَأْن الْكَعْبَة وَمَكَّة ومناسك الْحَج وَالْعمْرَة مَا يُغني
قَالَ القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ الشَّوْكَانِيّ فِي إرشاد السَّائِل إِلَى دَلِيل الْمسَائِل عمَارَة المقامات بِمَكَّة المكرمة بِدعَة بِإِجْمَاع الْمُسلمين أحدثها شَرّ مُلُوك الجراكسة فَرح بن برقوق فِي أَوَائِل الْمِائَة التَّاسِعَة من الْهِجْرَة وَأنكر ذَلِك أهل الْعلم فِي ذَلِك الْعَصْر وَوَضَعُوا فِيهِ مؤلفات وَقد بيّنت ذَلِك فِي غير هَذَا الْموضع ويالله الْعجب من بِدعَة يحدثها من هُوَ من شَرّ مُلُوك الْمُسلمين فِي خير بقاع الأَرْض كَيفَ لم يغْضب لَهَا من جَاءَ بعده من الْمُلُوك المائلين إِلَى الْخَيْر لَا سِيمَا وَقد صَارَت هَذِه المقامات سَببا من أَسبَاب تَفْرِيق الْجَمَاعَات وَقد كَانَ الصَّادِق المصدوق ينْهَى عَن الإختلاف والفرقة ويرشد إِلَى الإجتماع والألفة كَمَا فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بل نهى عَن تَفْرِيق الْجَمَاعَات فِي الصَّلَوَات وَبِالْجُمْلَةِ فَكل عَاقل متشرع يعلم أَنه حدث بِسَبَب هَذِه الْمذَاهب الَّتِي فرقت فرق الْإِسْلَام مفْسدَة أُصِيب بهَا الدّين وَأَهله وَأَن من أعظمها خطرا وأشدها على الْإِسْلَام مَا يَقع الْآن فِي الْحرم الشريف من تَفْرِيق الْجَمَاعَات ووقوف كل طَائِفَة فِي مقَام من هَذِه المقامات كَأَنَّهُمْ أهل أَدْيَان مُخْتَلفَة وَشَرَائِع غير مؤتلفة فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
وَأما رفع المنارات فَأصل وَضعهَا لمقصد صَالح وَهُوَ إسماع الْبعيد عَن مَحل الآذان وَهَذِه مصلحَة مسوغة إِذا لم تعارضها مفْسدَة فَإِن عارضتها مفْسدَة من الْمَفَاسِد الْمُخَالفَة للشريعة فَدفع الْمَفَاسِد مقدم على جلب الْمصَالح كَمَا تقرر ذَلِك فِي الْأُصُول وَأما تشتيد الْبُنيان وَرَفعه فَوق حَاجَة الْإِنْسَان فقد ورد النَّهْي عَنهُ والوعيد عَلَيْهِ وَثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بهدم بعض الْأَبْنِيَة وَلَيْسَ ذَلِك مُجَرّد بِدعَة بل خلاف مَا أرشد إِلَيْهِ الشَّارِع انْتهى كَلَامه
وَأما بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ الْمَسْجِد الْأَقْصَى فَكَانَ أول أمره أَيَّام

الصفحة 185