كتاب لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان

قلت كَلَام المحبط وَالْخُلَاصَة وَالْكَافِي والكنز وأمثالها مَحْمُول على من لم يجد الْوَقْت أصلا غير أَن الزَّيْلَعِيّ وَمن تَابعه لما زَعَمُوا أَن وَقت الْعشَاء لَا يُوجد إِلَّا بغروب الشَّفق نزلُوا هَذَا القَوْل على من لَا يغيب عَنهُ الشَّفق وبنوا كَلَامهم عَلَيْهِ وتصرفوا فِي الْعبارَات وَكَيف مَا كَانَ فقد أظهر الدَّلِيل فَسَاده وأبدت الْحجَّة عَلَيْهِ عواره وَأثبت ابْن الْهمام الْوُجُوب على الْإِطْلَاق وَأقَام برهانه وشيد أَرْكَانه وَلم يَأْتِ الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي كِتَابه شرح الْمُلْتَقى وَلَا فِي امداد الفتاح بِشَيْء سوى مَا نَقله من كَلَام الْحلَبِي بعبارته الَّتِي بُطْلَانهَا أظهر من أَن يحْتَاج المُصَنّف إِلَى التَّأَمُّل فِيهِ فَإِن الْمُحَقق لَا يسلم أَولا فقدان الْوَقْت بِعَدَمِ غيبَة الشَّفق وَإِنَّمَا كَلَامه فِي إِثْبَات الْوُجُوب على من لَا يجد الْوَقْت أصلا ثمَّ لَا يسلم كَون الْوَقْت سَببا لِأَن السَّبَب هُوَ تتالي نعم الله تَعَالَى على عباده وَلَئِن كَانَ سَببا فَلَا نسلم أَن الْوَقْت الَّذِي هُوَ سَبَب غير مَوْجُود لِأَن مُدَّة الْيَوْم وَاللَّيْلَة فِي قطر تغيب فِيهِ الشَّمْس تكون أَرْبَعَة وَعشْرين سَاعَة سَوَاء تساوى اللَّيْل وَالنَّهَار أَو تَفَاوتا فِي الطول وَالْقصر وَلَا نسلم أَن الْوَقْت من الْأَسْبَاب والشروط لَا تحْتَمل السُّقُوط لِأَنَّهُ يسْقط بِأَدْنَى عِلّة مثل عَرَفَة ومزدلفة وَأَيَّام الدَّجَّال بالإتفاق وبعذر الْمَطَر وَالسّفر وَالْمَرَض وَغير ذَلِك عِنْد الشَّافِعِي وَمن وَافقه لكَونه وَسِيلَة غير مَقْصُودَة والنقض يمثل الْحَائِض وَالْكَافِر ظَاهر السُّقُوط فَإِنَّهُ حكم اسْتَثْنَاهُ الشَّرْع وَورد فِيهِ دَلِيل قَطْعِيّ من الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة
وَالْقَوْل بِأَن الْقيَاس على حَدِيث الدَّجَّال غير صَحِيح ظَاهر الْبطلَان لِأَن الْمُحَقق فِي غنى عَن وضع السَّبَب بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي صدد بَيَان الْمُعَرّف الآخر للْوُجُوب الْعَام وَإِن انْتَفَى الْمَعْرُوف الْمَعْهُود وَهُوَ الزَّوَال والغروب وَغَيرهمَا وَقد حكى النَّسَفِيّ فِي الْمُصَفّى شرح الْمَنْظُومَة عَن جمال الدّين المحبوبي أَنه قَالَ كسَالَى بُخَارى لَا يمْنَعُونَ عَن الصَّلَاة وَقت طُلُوع الشَّمْس لِأَن الْغَالِب أَنهم إِذا منعُوا عَن ذَلِك وَأمرُوا بالمكث فِي الْمَسْجِد إِلَى ارْتِفَاع الشَّمْس أَو بِالرُّجُوعِ ثمَّ الْحُضُور لم يَفْعَلُوا ذَلِك وَلم يقضوها وَلَو صلوها فِي هَذِه الْحَالة فقد أجَازه أَصْحَاب الحَدِيث وَالْأَدَاء فِي وَقت يُجِيزهُ بعض الْأَئِمَّة أولى من التّرْك

الصفحة 209