كتاب لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان

وَهَكَذَا نقل عَن الْحلْوانِي والمرغيناني فَانْظُر كَيفَ جوز هَؤُلَاءِ صِحَة الْفجْر عِنْد الطُّلُوع وَالْعشَاء قبل الغيبوبة بِنَاء على تَجْوِيز بعض الْأَئِمَّة مَعَ وُرُود النَّهْي عَنهُ ونصوص الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة القاضية على عدم الْجَوَاز مَخَافَة أَن يتركوها بِالْكُلِّيَّةِ بِمُجَرَّد الكسالة فَكيف يسوغ أَن يُفْتِي بِسُقُوط الْعشَاء عَمَّن لَا يغيب عَنْهُم الشَّفق بِجعْل إلهي وَسبب سماوي مَعَ نهوض براهين الْوُجُوب عَلَيْهِ نهوضا لَا مرد لَهُ وَلَيْسَ فِي الْعَالم قطر تغيب فِيهِ الشَّمْس
ثمَّ كَمَا تغرب يطلع الْفجْر من جَانب آخر بل تتحول الْحمرَة من جِهَة الْمغرب متدرجة إِلَى الصُّفْرَة ثمَّ إِلَى الْبيَاض حسب دوران الشَّمْس تَحت الْأُفق إِلَى أَن ينتصف اللَّيْل
ثمَّ ترجع على هَذِه الدراجة منعكسة قهقرى حَتَّى تطلع الشَّمْس من جِهَة الْمشرق وَعِنْدِي أَن نقُول الْفَتْوَى بالسقوط عَن الْحلْوانِي والمرغيناني والصدر الْكَبِير وأمثالهم لَا تصح أصلا وَإِن وجد فِي عدَّة كتب فَإِنَّهُ مَعَ خلوه عَن الْإِسْنَاد لَا دَلِيل بيتني عَلَيْهِ وَحسن الظَّن فيهم لَا يرخصنا فِي نسبه هَذِه المجازفة إِلَيْهِم وَمِمَّا يشْهد بذلك أَن إِسْلَام أهل بلغار كَانَ بِزَمَان كثير قبل زمَان أُولَئِكَ الْفُضَلَاء الَّذِي يعزى إِلَيْهِم الْإِفْتَاء بِسُقُوط الْعشَاء عَن سكان هَذِه الديار فِي لَيَال من السّنة تَنْتَهِي إِلَى غَايَة الْقصر فَمنهمْ من قَالَ أَنهم أَسْلمُوا فِي صدر ملك بني مَرْوَان فِي كبد الْقرن الأول من الْهِجْرَة وَمِنْهُم من قَالَ أَنهم أَسْلمُوا فِي خلَافَة الْمَأْمُون وَمِنْهُم من قَالَ فِي خلَافَة ابْن أَخِيه الواثق بِاللَّه ثمَّ ظهر الْإِسْلَام فيهم بِإِسْلَام ملك بلغار الماس خَان بن سلكي خَان فِي خلَافَة المقتدر فتسمى بالأمير جَعْفَر
وَلأَحْمَد بن فضلان رِسَالَة كتب فِيهَا مَا شَاهده فِي سَفَره إِلَى بلغار ومدينة بلغار كَانَت على خمس وَخمسين دَرَجَة من الْعرض الشمالي وَعرض قزان أَكثر مِنْهُ بِخمْس وَأَرْبَعين دقيقة وطولها فِي سِتّ وَسِتِّينَ دَرَجَة وست وَأَرْبَعين دقيقة من جزائر الخالدات وَطول بلغار أَكثر مِنْهُ بِشَيْء نَحْو سِتّ عشرَة دقيقة فَكيف يتخيل أَنه خَفِي عَلَيْهِم شَأْن الشَّفق فَمَا تكلمُوا فِي مَسْأَلَة الْعشَاء بهَا نعم كَانَ الْأَمر وَاضحا لَهُم فِي ذَلِك حِين

الصفحة 210