كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 3)
أبعدوا (1) أن يمكنهم إقامة الدليل على قدم شيء من العالم، فإن الفاعل الذي يفعل بإرادات قائمة به بذاته شيئا بعد شيء، لا يقوم لهم دليل على أن شيئا من مفعولاته لم يزل مقارنا له، إذ يمكن أنه فعل مفعولا بعد مفعول، وأن هذا العالم خلقه من مادة كانت قبله، كما أخبرت بذلك الرسل، فأخبر الله تعالى
في القرآن أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش وأخبر أنه سبحانه: " اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا
وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ
الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ" [فصلت: 11-12] وقال في الآية الأخرى: "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [البقرة: 29] ، فأخبر أنه سواهن سبع عوات في يومين، وأن السماء كانت دخانا، وهو بخار الماء كما جاء تفسيره في عدة آثار: أنه خلق السموات من بخار الماء (2) ، والبخار
دخان الماء، كما أن دخان الأرض دخان، وإن أريد بالدخان دخان التراب قط، أو دخان التراب والماء، فكل ذلك فيه إخبار الله أنه خلق السموات السبع من
مادة أخرى، كما أخبر أنه خلق الإنسان من مادة وأنه خلق الجان من مادة ... " - ثم قال بعد ذكر بعض النصوص: " ففي هذه الآثار المنقولة عن الأنبياء أنه كان موجودا قبل خلق هذا العالم أرض وماء وهواء، وتلك الأجسام خلقها الله من أجسام أخرى، فإن العرش أيضا مخلوق، كما أخبرت بذلك النصوص، واتفق
على ذلك المسلمون" (3) .
__________
(1) كذا ولعل الصواب [أبعد من] .
(2) انظر تفسير آية: 29 من سورة البقرة في الطبري (1/433-436) - ت شاكر-، وابن كثير، والدر المنثور للسيوطي. وانظر الرد على الجهمية للدارمي (ص: 31-32) - ت بدر البدر-، والأسماء والصفات للبيهقي (ص: 379) ، وتاريخ الطبري (1/32- 1 4) ، والتوحيد لابن خزيمة (2/886-888) - ت الشهوان-، والعرش لابن أبي شيبة (ص: 49-55) .
(2) درء التعارض (8/287- 290) ، وانظر أيضا: درء التعارض (1/347-348) ، ومنهاج السنة (1/360-364) - ط جامعة الإمام-. وشرح حديث عمران بن حصين- مجموع الفتاوى (18/234-236) ، وبغية المرتاد (ص: 287-288) - ت الدويش-.
الصفحة 1007
1494