كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 3)

في ذلك عدة مسالك (1) ، وهي:
المسلك الأول: دليل حدوث الأجسام لقيام الأعراض بها. وهذه هي الطريقة المشهورة للأشاعرة، وقد تقدم الحديث عنها، وهي الطريقة التي ذمها السلف وصرح الأشعري بأنها مذمومة محرمة في الشرع، وإن كان مع ذلك يرى أنها صحيحة، وإنما ذمها لطولها وغموضها (2) .
المسلك الثاني: الاستدلال بإمكان الأجسام، وهذا عمدة الفلاسفة كابن سينا وأمثاله، وهو الذي اعتمده الرازي وغيره كالآمدي، قالوا: الأجسام ممكنة، وكل ممكن فلابد من مؤثر- أي واجب- وبنوا ذلك على أن الموجود ينقسم إلى واجب وممكن وأن الممكن لابد له من واجب. وقد بين شيخ الإسلام أن هذه الطريقة باطلة وضعيفة من عدة وجوه:
أ- أن الممكن عندهم- والذي هو قسيم الواجب- يتناول القديم والحادث، أي أن الممكن قد يكون أزليا، فاحتجوا على وجود الممكن الذي تقبل ذاته الوجود والعدم بالحوادث التي تكون موجودة تارة ومعدومة أخرى، فلم يمكنهم ذلك لأن هذه الممكنات قد تكون- عندهم- أزلية قديمة، فكيف يمكن إثبات الواجب والقول بأن الممكن لابد له من واجب؟ يقول شيخ الإسلام:
"فهؤلاء إذا قيل لهم: اثبتوا واجب الوجود- الذي هو قسيم الممكن عندهم، والممكن عندهم يتناول القديم والحادث- لم يمكنهم إثبات هذا الواجب الا بإثبات ممكن يقبل الوجود والعدم. وهذا لا يمكنهم إثباته الا بإثبات الحادث، الذي يكون موجودا تارة ومعدوما أخرى، والحادث يستلزم ثبوت القديم، والقديم عندهم
لا يجب أن يكون واجب الوجود، بل قد يكون ممكن الوجود. فهم لم يثبتوا:
__________
(1) انظر: هذه المسالك في نهاية العقول للرازي (58 -أ-63-أ) ، والأربعين له (ص: 70) ومابعدها، وانظر أيضا: النبوات (ص: 76-77) ، وتفسير سورة الإخلاص- مجموع الفتاوى (17 / 246) ، وشرح الأصفهانية (ص: 260- 261) - ت السعوي، ودرء التعارض (1/ 307،96-308، 3 / 72-87/292-294، 7/229-232) .
(2) انظر: درء التعارض (1/309) .

الصفحة 1014