كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 3)

وقد ساق شيخ الإسلام عددا كبيرا من الأدلة الدالة على إثبات الصانع، دون الحاجة إلى تلك المقدمات الباطلة أو الظنية التي أتى بها أولئك المتكلمون، ونظرا لأن شيخ الإسلام ساق هذه الأدلة في مكان واحد فلعل الإشارة إلى موضعها يغني عن الإطالة بذكر نماذج منها (1) .
د- " توحيد الربوبية" أو "وحدانية الرب":
والمقصود إفراد الله بالربوبية والخلق، وهذا التوحيد لا تكاد تخالف فيه طائفة معروفة من بني آدم (2) ، وقد قرره علماء الأشاعرة جميعا بدليل التمانع المشهور (3) ، وخلاصته كما يقول الأشعري: "فإن قال قائل: لم قلتم إن صانع الأشياء واحد؟ قيل له: لأن الاثنين لا يجرى تدبيرهما على نظام، ولا يتسق على إحكام، ولابد أن لا يلحقهما العجز أو واحدا منهما، لأن أحدهما إذا أراد أن يحيى إنسانا وأراد الآخر أن يميته، لم يخل أن يتم مرادهما جميعا، أو لا يتم مرادهما، أو يتم مراد أحدهما دون الآخر. ويستحيل أن يتم مرادهما جميعا، لأنه يستحيل أن يكون الجسم حيا ميتا في حال واحدة، وإن لم يتم مرادهما جميعا وجب عجزهما والعاجز لا يكون إلها ولا قديما وإن تم مراد أحدهما دون الآخر وجب العجز لمن لم يتم مراده منهما، والعاجز لا يكون إلها ولا قديما فدل ما قلناه على أن صانع الأشياء واحد، وقد قال تعالى: "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا" [الأنبياء: 22] فهذا معنى احتجاجنا آنفا" (4) .
وجميع الأشاعرة يسوقون هذا الدليل، مع تنويع الأمثلة التى يوردونها، كالحركة والسكون، والإحياء والإماتة وغيرها.
__________
(1) انظر: درء التعارض (3/98-127، 265-266) .
(2) انظر: التدمرية (ص: 177-178) - ت السعوي. وشرح الأصفهاية (ص: 98- 102) - ت السعوي-.
(3) انظر مثلا- غير اللمع للأشعري الذي سيرد نص كلامه فيهـ: التمهيد للباقلاني (ص: 25) ت مكارثي، والمعتمد لأبي يعلى (ص: 41) ، والإرشاد للجويني (ص: 53-59) ، ونهاية الإقدام (ص: 91-97) ، والأربعين للرازي (ص: 221-226) . (4) اللمع (ص: 8) - ت مكارثي، و (ص: 20- 21) - ت غرابة.

الصفحة 1021