كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 3)

ذكروا دليل التمانع باحتمالاته الثلاثة، ولم يذكروا الرابع- الذي هو احتمال الاتفاق- لأنهم " علموا أن وجوب اتفاقهما في الإرادة يستلزم عجز كل منهما، كما أن تمانعهما يستلزم عجز كل منهما، فمنهم من أعرض عن ذكر هذا التقرير لأن مقصوده أن يبين أن فرض اثنين يقتضي عجز كل منهما، فإذا قيل: إن أحدها لا يمكنه مخالفة الآخر، كان ذلك أظهر في عجزه " (1) ، وهذا واضح مما فعله هؤلاء في كتبهم فإنهم ضربوا صفحا عن التطويل بذكر هذا الاحتمال الفاسد.
ب- وبعض المتأخرين، كالجويني، والشهرستاني والرازي (2) ، قرروا دليل التمانع، ولكن أوردوا الاحتمال الرابع، وردوا عليه من طرق عديدة لكنهم أجابوا "بوجوه عارضهم فيها غيرهم " (3) .
3- وبعض المتأخرين رأى أن هذا الاعتراض- باحتمال الاتفاق- مشكل، ولذلك ظن بعض هؤلاء أن التوحيد إنما يعرف بالسمع (4) . ومن الذين زيفوا دليل
التمانع وظنوا أن الاعتراض عليه باحتمال الاتفاق قادح فيه الآمدى (5) .
وقد رد عليه شيخ الإسلام، وبين أن دليل التمانع برهان عقلي صحيح كما قرره فحول النظار، وبعد أن أورد دليل التمانع كما ساقوه قال: "فلما قيل لهم: هذا يلزم إذا اختلفت إرادتهما، فيجوز اتفاق إرادتهما. أجابوا بأنه إذا اتفقا في الآخر (6) امتنع أن يكون نفس ما فعله أحدهما نفس الآخر، فإن استقلال أحدهما بالفعل
والمفعول، يمنع استقلال الآخر به، بل لابد أن يكون مفعول هذا متميزا عن مفعول هذا، وهذا معنى قوله تعالى: "إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ" [المؤمنون: 91] وهذا ممتنع؛ فإن العالم مرتبط بعضه ببعضه ارتباطا يوجب أن فاعل هذا ليس هو مستغنيا عن فاعل الآخر، لاحتياج بعض أجزاء العالم إلى بعض.
__________
(1) منهاج السنة (3/306) - ط جامعة الامام-.
(2) سبقت الإشارة إلى كتبهم التي ذكروا فيها ذلك.
(3) منهاج السنة (3/305) - ط جامعة الإمام.
(4) انظر: درء التعارض (9/354-369) .
(5) انظر: أبكار الأفكار (ج- 1- 165- ب- 171- ب) ، وغاية المرام (ص: 151- 155) .
(6) في درء التعارض: الآخرة، ولعل الصواب ما أثبته.

الصفحة 1024