كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

" زالت أيامه وانتهت رياسته وقرب انقضاء أجله ويتكلم فيه وفي ابن عربي وأتباعه " (¬1) ، فقرروا أن يسيروه إلى الإسكندرية كهيئة المنفى لعل أحدا من أهلها- وفيهم بقايا المتفلسفة والمتصوفة والغلاة- أن يقتله، ومنعوا أن يذهب أحد من أصحابه معه، يقول خادمه: فلما كان بعد العصر- وقد جاء الأمر بنقله إلى الاسكندرية- وقفت أبكي، فقال لي الشيخ لا تبك، ما بقيت هذه المحنة تبطىء. وركب على باب الحبس؟ قال له إنسان: يا سيدي هذا مقام الصبر، فقال له: بل هذا مقام الحمد والشكر، واللة إنه نازل على قلبي من الفرح والسرور شيء لو قسم على أهل الشام ومصر لففمل عنهم، ولو أن معي في هذا الموضع ذهبا وأنفقته ما أديت عشر هذه النعمة التي أنا فيها " (¬2) ، ولما ركب الشيخ- وقد منع أحد أن يصحبهـ قال ابن تيمية لخادمه إبراهيم: " يا إبراهيم انزل الشام وقل لأصحابنا، وحق القرآن- ثلاث مرات- ما بقيت هذه المحنة تبطيء وتنفرج قريبا فوق ما في النفوس، ويقلب اللة مملكة بيبرس أسفلها أعلاها، وليجعلن اللة أعز من فيها أذل من فيها " (¬3) . وكان ذهابه في نهاية شهر صفر سنة 709 هـ وأقام بثغر الاسكندرية في برج مليح واسع والناس يترددون عليه وقد لحق به بعض أصحابه، وفي رسالة كتبها أخو الشيخ شرف الدين إلى أخيه بدر الدين في الشام يقول فيها: " فنحن والجماعة في نعم اللة الكاملة ومننه الشاملة التي تفوق العد والإحصاء ...
فمنها: نزل الأخ الكريم بالثغر المحروس، فإن أعداء الله قصدوا بذلك أمورا يكيدون بها الإسلام وأهله، وظنوا أن ذلك يحصل عن قريب، فانقلبت عليهم مقاصدهم الخبيثة المعلومة، وانعكست من كل الوجوه، وأصبحوا وما زالوا عند اللة وعند العارفين من المؤمنين سود الوجوه يتقطعون حسرات وندما على ما فعلوه، وأقبل أهل الثغر أجمعون إلى الأخ، متقبلين لما يذكره وينشره من كتاب اللة وسنة رسوله والحط والوقيعة في أعدائهما من أهل البدع
¬_________
(¬1) انظر: البداية والنهاية (14/49) ، وقد جرت في هذه الأئناء أحداث ووساطات من الشيخ الدباهى الذى جاء من دمشق، ومن المشايخ التدامرة، وفيها أحداث عجيبة. انظر ترجمته بقلم خادمه (ص: 24) وما بعدها.
(¬2) ناحية من حياة شيخ الإسلام بقلم خادمه إبراهيم أحمد الغباشى (ص: 31،32) .
(¬3) المصدر السابق (ص: 32-33) .

الصفحة 187