كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

ولكن كيف يصنع بأدلة العلو التي هي أضعاف أضعاف أدلة الرؤية؟ وكيف يسلم لمن نفى العلو- الجهة- لشبهة التجسيم أو مخالفة العقل، وينعي على نفي الرؤية لنفس التعليل، وكلاهما وردت به النصوص؟ وهذا التناقض إنما ساير فيه الشاطبي الأشاعرة، وهو من المضايق الخانقة في مذهبهم، وقد فشلوا في الجواب عنه فشلا ذريعا- كا سيأتي إن شاء اللهـ.
هذه أمثلة توضح الفرق بين المنهجين: منهج الشاطبي، ومنهج شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي جاءت كتبه كلها- سائرة على نهج واحد- حتى أن الانسان ليحتار أي كتبه ألفه أولا، ليس هناك مراحل في منهجه وحياتهـ كماحدث لغيرهـ وإنما هو منهج وطريق واحد في جميع القضايا التي طرحها في كتبه.
لقد التزم شيخ الإسلام بمذهب ونهج السلف- في جميع ما كتب- حتى أن بعض عباراته لا يتبين لأول وهلة أهي عبارته أم عبارة غيره من السلف حين ينقل شيئا من كلامهم.
ومما يعجب له في هذا الباب أن أحد العلماء (¬1) - المعاصرين لابن تيمية- رد على ابن تيمية في مسألة العلو- أو الجهة كما يسميها- في كتاب ذكره السبكي بتمامه في طبقاته (¬2) ، فكان مما قاله هذا العالم: " ولو تنازل (¬3) واكتفى بما نقل عن إمامه الإمام أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- حيث قال: " لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لا نتجاوز القرآن والحديث، ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق، ليس فيه لغو ولا أحاج، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه
¬_________
(¬1) هو: أحمد بن يحيى بن إسماعيل شهاب الدين، ابن جهبل الكلابي الحلبي الأصل، ولد سنة 0 67 هـ وتوفي سنة 733 هـ، طبقات السبكي (9/34) ، والبداية والنهاية (14/163) ، وشذرات الذهب (6/104) ، وطبقات الأسنوي (1/ 0 39) ، والدرر الكامنة (1/ 0 35) .
(¬2) طبقات الشافعية الكبرى (ج- 9 ص: 35- 91) .
(¬3) في الطبقات " ولا تنازل، والتصويب من تنبيه النبيه والغبي في الرد على المدرايسى والحلبي، لأحمد ابن إبراهيم بن عيسى.

الصفحة 224