كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)
ولهذا كان هؤلاء تارة يختارون طريقة أهل التأويل؟ فعله ابن فورك وأمثاله في الكلام على مشكل الآثار (¬1) ، وتارة يفوضون معانيها ويقولون تجرى على ظاهرها كما فعله القاضي أبو يعلى وأمثاله في ذلك، وتارة يختلف اجتهادهم فيرجحون هذا تارة وهذا تارة كحال ابن عقيل وأمثاله.
وهؤلاء قد يدخلون في الأحاديث المشكلة ما هو كذب موضوع ولا يعرفون أنه موضوع، وما له لفظ يدفع الاشكال مثل أن يكون رؤيا منام فيظنونه كان في اليقظة ليلة المعراج.
ومن الناس من له خبرة بالعقليات المأخوذة من الجهمية وغيرهم وقد شاركهم في بعض أصولها، ورأى ما في قولهم من مخالفة الأمور المشهورة عند أهل السنة، كمسألة القرآن والرؤية فإنه قد اشتهر عند العامة والخاصة أن مذهب السلف وأهل السنة والحديث أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، فأراد هؤلاء أن يجمعوا بين نصر ما اشتهر عند أهل السنة والحديث، وبين موافقة الجهمية في تلك الأصول العقلية التي ظنها صحيحة، ولم يكن لهم من الخبرة المفصلة بالقرآن ومعانيه والحديث وأقوال الصحابة ما لأئمة السنة والحديث، فذهب مذهبا مركبا من هذا وهذا وكلا الطائفتين ينسبه إلى التناقض، وهذه طريقة الأشعري وأئمة أتباعه كالقاضي أبى بكر (¬2) ، وأبي إسحاق الاسفراييني (¬3) وأمثالهما، ولهذا تجد أفضل هؤلاء كالأشعري يذكر مذهب
¬_________
(¬1) = وتوفي سنة 513 هـ، انظر: ذيل طبقات الحنابلة (1/142) ، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد (ص: 192) ، وسير أعلام النبلاء (19/443) ، وانظر كلام الذهبي عنه مع تعليقات المحققين.
(1) له كتاب! مشكل الحديث وبيانها وفيه ردود على ابن خزيمة في كتابه " التوحيد".
(¬2) الباقلاني، وستأتي ترجمته إن شاء الله.
(¬3) هو: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن مهران، الأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني روى عنه البيهقي والقشيرى كان من معاصري الباقلاني وابن فورك، توفي سنة 418 هـ، انظر: طبقات السبكي (4/256) ، وتبيين كذب المفترى (ص: 243) ، وسير أعلام النبلاء (17/353) .
الصفحة 239
1494