كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

3- ما حد الدليل؟ هل هو المرشد إلى المطلوب وهو ما يكون العلم به مستلزما للعلم المطلوب، فهو بذاته دليل يوصل إلى المقصود، أم الدليل هو ما يكون النظر الصحيح فيه موصلا إلى المطلوب، اختلف النظار في ذلك، ويرى شيخ الإسلام أن كون بعضهم خص الثاني باسم الإمارة دون الدليل، نزاع اصطلاحي، ولكن يرى أن " الضابط في الدليل أن يكون مستلزما للمدلول، فكل ما كان مستلزما لغيره أمكن أن يستدل به عليه، فإن كان التلازم من الطرفين، أمكن أن يستدل بكل منهما على الآخر، فيستدل المستدل بما علمه منهما على الآخر الذي لم يعلمه (¬1) ثم بين شيخ الإسلام أن هذا اللزوم إن كان قطعيا كان الدليل قطعيا، وإن كان ظاهرا وقد يتخلف كان الدليل ظنيا، ويمثل للقطعي بدلالة الخلوقات على خالقها وصفاته كالعلم والقدرة والمشيئة والرحمة والحكمة (¬2) .
4- والآن ننتقل إلى مسألة أخرى مهمة وهي: طرق العلم والمعرفة ومصادرها هل هى مختصة بجانب معين لا يوصل إلى العلم إلا من خلاله؟ لقد تباينت مذاهب الناس في ذلك فبعضهم حصر العلم بالمحسوس فقط فهو الذي يثبت به الاستدلال يقينا وما عداه لا دليل فيه، وبعضهم حصر الاستدلال بالاعتبار والقياس المنطقي فقط، وبعضهم اعتمد على غير ذلك، ويرى شيخ الإسلام أن طرق العلم متعددة وكثيرة ويمكن إجالها بثلاث طرق:
أحدها: الحس الباطن والظاهر، وهو الذي تعلم به الأمور الموجودة بأعيانها. والثاني: الاعتبار بالنظر والقياس وإنما يحصل العلم به بعد الىعلم بالحس، مما أفاده الحس معينا يفيده العقل والقياس مطلقا، فهو لا يفيد بنفسه علم شيء معين لكن يجعل الخاص عاما، والمعين مطلقا، فإن الكليات إنما تعلم بالعقل، كما أن المعينات إنما تعلم بالإحساس.
¬_________
(¬1) الرد على المنطقيين (ص: 165) ، وانظر: (ص: 151) ، ودرء التعارض (3/303،11/122) ، والنبوات (ص: 282) ، ومناهج البحث (ص: 194، 197، 199، 216) ، ونظرية القياس الأصولي (ص: 322) .
(¬2) انظر: الرد عل المنطقييين (ص: 65 ا-166) .

الصفحة 248