كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)
(أ) فإذا أريد بالشرعي ما أثبته الشرع، فإما أن يكون معلوما بالعقل أيضا ولكن الشرع نبه عليه ودل عليه، فيكون شرعيا عقليا، وهذا كالأدلة التي نبه الله تعالى عليها في كتابه العزيز من الأمثال المضروبة وغيرها الدالة على توحيده وصدق رسله، وإثبات صفاته وعلى المعاد، فتلك كلها أدلة عقلية يعلم صحتها بالعقل وهي براهين ومقاييس عقلية، وهى مع ذلك شرعية. وإما أن يكون الدليل الشرعي لا يعلم إلا بمجرد خبر الصادق، فإنه إذا أخر بما لا يعلم إلا بخبره كان ذلك شرعيا سمعيا.
وكثير من أهل الكلام يظن أن الأدلة الشرعية منحصرة في خبر الصادق فقط وأن الكتاب والسنة لا يدلان إلا على هذا الوجه، ولهذا يجعلون أصول الدين نوعين: العقليات، والسمعيات، ويجعلون القسم الأول مما لا يعلم بالكتاب والسنة. وهذا غلط فهم، بل القرآن دل على الأدلة العقلية وبينها ونبه عليها وإن كان من الأدلة العقلية ما لا يعلم بالعيان ولوازمه؟ قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت:53]
(ب) وأما إذا أريد بالشرعي ما أباحه الشرع وأذن فيه، فيدخل في ذلك ما أخبر به الصادق، وما دل عليه ونبه عليه القرآن، وما دلت عليه وشهدت به الموجودات، والشارع يحرم الدليل لكونه كذبا في نفسه، مثل أن تكون إحدى مقدماته باطلة، فإنه كذب والله يحرم الكذب لاسيما عليه، كقوله تعالى: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} [الأعراف:169} ، ويحرمه لكون المتكلم به يتكلم بلا علم، كما قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الاسراء:36] وقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] ، وقوله: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [آل عمران:66] . (¬1)
¬_________
(¬1) درء التعارض (1/198-. 20) .
الصفحة 253
1494