كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

للموصوف، إلا أن تضمن أمراً وجودياً كوصفه سبحانه بإنه لا تأخذه سنة ولا نوم، فإنه يتضمن كمال حياته وقيوميته، وكذلك قوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [قّ:38] متضمن كمال قدرته، وقوله: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْض} [سبأ:3] يقتضي كمال علمه، وكذلك قوله: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام:103] يقتضي عظمته بحيث لا تحيط به الأبصار، وكذلك نفي المثل والكفؤ عنه يقتضي أن كل ما سواه فإنه عبد مملوك لهن وذلك يقتضي من كماله مالا يحصل إذا كان له نظير مستغن عنه مشارك له في الصنع، فإن ذلك نقص في الصانع، فأما العدم المحض، والنفي الصرف، مثل كونه لا يمكن رؤيته بحال، وكونه لا مبايناً للعالم ولا مداخلاً له، فإن هذا أمر يوصف به المعدوم، والمعدوم المحض لا يتصف بصفة كمال ولا مدح ولهذا كان تنزيه الله تعالى بقوله" سبحان الله" يتضمن مع نفي صفات النقص عنه إثبات ما يلزم ذلك من عظمته، فكان التسبيح تعظيم له مع تبرئته من السوء" (¬1) ويوضح هذا في التدمرية في القاعدة الأولى فيقول:" وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال، إلا إذا تضمن إثباتاً، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا ككمال، لأن النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء، وما ليس بشيء هو كما قيل ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون مدحاً أو كمالاً، ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال ... [ثم ذكر أمثلة، ثم قال:] ...
فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب لم يثبتوا في الحقيقة إلهاً محمودا، بل ولا موجودا، وكذلك من شاركهم في بعض ذلك كالذين قالوا: إنه لا يتكلم، أو لا يرى، أو ليس فوق العالم، أو لم يستو على العرش، ويقولون: ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا مباين للعالم ولا محايث له؛ إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم، وليست مستلزمة صفة الثبوت" (¬2) .
¬_________
(¬1) درء التعارض (6/176-177) .
(¬2) التدمرية: تحقيق السعوي (ص57-60)

الصفحة 277