كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

ب- وكثيرا ما يشير إلى الأسباب الخارجية لنشوء الفرق، ويركز على أثر الفلسفة التي انتشرت في العالم الإسلامي في عهد المأمون ومن جاء بعده (¬1) . ويخص الترجمة - التي قد تكون دقيقة أو غير دقيقة - يكون من الأسباب المهمة (¬2) .
ج- أما حين يتحدث عن الأسباب الداخلية - التي نشأت من الداخل مثل الاختلاف في فهم النصوص، أو الاستدلال بأدلة عند الآخرين، فيعرض لها مفصلة، فيتكلم عن أسباب الانحراف عن طريق الأنبياء من اليهود والنصارى والمسلمين، يقول في معرض رده على النصارى:" إن جميع ما يحتجون به من هذه الآيات (¬3) وغيرها فهو حجة عليهم لا لهم، وهكذا شأن جميع أهل الضلال، إذا احتجوا بشيء من كتب الله وكلام أنبيائه كان في نفس ما احتجوا به ما يدل على فساد قولهم، وذلك لعظمة كتب الله المنزلة وما نطق به أنبياؤه، فإنه جعل ذلك هدى وبيانا للخلق وشفاء لما في الصدور فلا بد أن يكون في كلام الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - من الهدى والبيان ما يفرق الله به بين الحق والباطل والصدق والكذب، لكن الناس يؤتون من قبل أنفسهم لا من قبل أنبياء الله: إما من كونهم لم يتدبروا القول الذي قالته الأنبياء حق التدبر حتى يفقهوه يفهموه. وإما من جهة أخذهم ببعض الحق دون بعض، مثل أن يؤمنوا ببعض ما أنزله الله دون بعض فيضلون من جهة ما لم يؤمنوا به كما قال تعالى عن النصارى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة:14] . وإما من جهة نسبتهم إلى الأنبياء ما لم يقولوه من أقوال كذبت عليهم.
¬_________
(¬1) انظر: نقض أساس التقديس - المطبوع (1/323-324، 374-375) .
(¬2) انظر: درء التعارض (1/299) .
(¬3) مثل احتجاجهم بقوله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي} [المائدة:110] قالوا: سماه الله خالقا، وقد رد عليهم شيخ الإسلام بعد هذا النص الذي نقلناه من عشرة أوجه، الجواب الصحيح (2/288-293) .

الصفحة 286