كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

إلا في أواخر عصر صغار التابعين، وذلك في أواخر عهد الدولة الأموية، وبداية الدولة العباسية، وكيف أنه لما تولى الأعاجم، وعربت الكتب العجمية من كتب الفرس والهند والروم، حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام، والتصوف. وحدث التجهم ونفي الصفات، وبإزائه التمثيل، وكان جمهور الرأي في الكوفة، وجمهور الكلام والتصوف في البصرة، ويذكر أول دويرة بنيت للصوفية في البصرة. وهكذا - بهذا الأسلوب - يستمر في عرض أحوال البلاد الإسلامية وانتشار البدع فيها (¬1) . والمعرفة التاريخية أوصلت شيخ الإسلام إلى استنتاجات وتحليلات مهمة، فمثلا: أحاديث السفر لزيارة القبور والمشاهد أول من أحدثها أهل البدع من الروافض (¬2) ، ونسبة رسائل إخوان الصفا إلى جعفر الصادق ليست صحيحة، ويرى أنها صنفت بعد المئة الثالثة (¬3) ، وأحيانا ينقد متون بعض الروايات التاريخية من خلال الاستقراء والمعرفة بالتاريخ (¬4) .
4- معرفته بأحوال الخصوم، مذاهبهم وعقائدهم، وأدلتهم، وكتبهم، وهذا غير ما سبق من معرفته بتاريخ نشوء الفرق، أو أسباب نشوئها، وقد كان شيخ الإسلام في معرفته بأحوال الخصوم واثقا من نفسه حتى قال في إحدى مناقشاته ومناظراته لهم:" كل من خالفني في شيء مما كتبته، فأنا أعلم بمذهبه منه" (¬5) ، وقال عن نفسه:" وقلت في ضمن كلامي: أنا أعلم كل بدعة حدثت في الإسلام، وأول من ابتدعها ومتا كان سبب ابتداعها" (¬6) .
¬_________
(¬1) انظر لما سبق مجموع الفتاوى (10/356-372) ، وانظر أيضا: منهاج السنة (1/218-227) ، تحقيق: رشاد سالم، والنبوات (ص193-198) .
(¬2) انظر: الرد على الأخنائي (ص32) ط السلفية.
(¬3) انظر: منهاج السنة (2/370) . تحقيق: رشاد سالم، وأيضا (2/154) ، مكتبة الرياض الحديثة، والتسعينية (ص59) .
(¬4) انظر: درء التعارض (7/254-257) .
(¬5) الواسطية - مجموع الفتاوى (3/163) .
(¬6) نفس المصدر (3/184) .

الصفحة 290