كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

وإذا ردوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل، وهؤلاء المختلفون يدعي أحدهم أن العقل أداة إلى علم ضروري، ينازعه فيه الآخر، فلهذا لا يجوز أن يجعل الحاكم بين الأمة في موارد النزاع إلا الكتاب والسنة" (¬1) ،
وذكر شيخ الإسلام مناظرة الإمام أحمد للجهمية، ثم يوضح الحالة الثانية فيقول: " فهذه المناظرة هي التي تصلح إذا كان المناظر داعيان وأما إذا كان المناظر معارضا للشرع بما يذكره، أو ممن لا يمكن أن يرد إلى الشريعة، مثل من لا يلتزم الإسلام ويدعو الناس إلى ما يزعمه من العقليات، أو ممن يدعي أن الشرع خاطب الجمهور، وأن المعقول الصريح يدل باطن يخالف الشرع، ونحو ذلك، أو كان الرجل ممن عرضت له شبهة من كلام هؤلاء، فهؤلاء لا بد في مخاطبتهم من كلام على المعاني التي يدعونها: إما بألفاظهم، وإما بألفاظ يوافقون على أنها تقوم مقام ألفاظهم، وحينئذ فيقال لهم: الكلام إما أن يكون في الألفاظ، وإما أن يكون في المعاني، وإما أن يكون فيهما، فإن كان الكلام في المعاني المجردة من غير تقييد بلفظ، كما تسلكه المتفلسفة ونحوهم ممن لا يتقيد في أسماء الله وصفاته بالشرائع، بل يسميه علة وعاشقا ومعشوقا ونحو ذلك، فهؤلاء إن أمكن نقل معانيهم إلى العبادة الشرعية كان حسنا، وإن لم يمكن مخاطبتهم إلا بلغتهم فبيان ضلالهم ودفع صيالهم عن الإسلام بلغتهم أولى من الإمساك عن ذلك لأجل مجرد اللفظ، كما لو جاء جيش كفار ولا يمكن دفع شرهم عن المسلمين إلا بلبس ثيابهم، فدفعهم بلبس ثيابهم خير من ترك الكفار يجولون في خلال الديار خوفا من التشبه بهم في الثياب. وأما إذا كان الكلام مع من يتقيد بالشريعة فإنه يقال له: إطلاق هذه الألفاظ نفيا وإثباتا بدعة، وفي كل منهما تلبيس وإيهام، فلا بد من الاستفسار والاستفصال، أو الامتناع عن إطلاق كل الأمرين في النفي والإثبات (¬2) ، ويشير هنا شيخ الإسلام إلى ما يظنه بعض الناس من أن السلف ذموا الكلام لأجل الاصطلاحات الحادثة فيه، ويقول:" ليس الأمر كذلك، بل ذمهم للكلام
¬_________
(¬1) درء التعارض (1/ 222- 229) ..
(¬2) درء التعارض (1/231- 232) .

الصفحة 299