كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

وإنما المؤثر عنده عموم وصف الكفر، إما أن يهدر خصوص الأذى، أو يسوي فيه بينه وبين غيره زعما منه أن جعله كفرا أو نقضا هو غاية التعظيم، وهذا كلام من لم ير للرسول حقا يزيد على مجرد تصديقه في الرسالة، وسوى بينه وبين سائر المؤمنين فيما سوى هذا الحق. وهذا كلام خبيث يصدر عن قلة فقه، ثم يجر إلى شعبة نفاق، ثم يخاف أن يخرج إلى النفاق الأكبر، وإنه لخليق
به" (¬1) . ولما تكلم ابن سينا في أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة ووصفهم بأنهم أهل الوبر، وأنهم لا يستطيعون فهم المعاني الغامضة التي تحتاج من هو أفضل منهم من المبرزين المتفلسفة إلى مزيد إيضاح وشرح لفهمها؛ هجم عليه شيخ الإسلام هجوما شديدا لأن هذا استخفاف بأفضل الخلق بعد الرسل وهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:" فإذا قدرت بعض الناقصين من ذلك القرن، فقابله بإخوانك القرامطة الباطنية وعوام الفلاسفة الدهرية، وأمثالهم من عوام النصيرية والإسماعلية وأمثالهم فإنك تجد بين أدنى أولئك وخيار هؤلاء في الذهن والعلم من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق، أليس أصحابك هم المستجيبين لدعوة بني عبيد، الذين راج عليهم مكرهم وكيدهم في الدنيا والدين، حتى اعتقدوا فيمن هو أكفر الناي وأكذبهم أنه أمام معصوم، يعلم علم الأولين والآخرين، بل عوام النصارى مع فرط جهلهم وضلالهم أحذق وأذكى من عوام أصحابك المستجيبين لمثل هؤلاء المنقادين لهم، وهل وجد في العالم أمة أجهل وأضل وأبعد عن العقل والعلم من أمة يكون رؤوسها فلاسفة؟ أو لم تكن أئمتكم اليونان - كأرسطو وأمثاله - مشركين يعبدون الأوثان، ويشركون بالرحمن، الذي غايته أن يعبد الإنسان شيطانا من الشياطين ويصوم له ويصلي....وأما أئمتكم البارعون - كأرسطو وذويه - فغايته أن يكون مشركا سحارا وزيرا لملك مشرك سحار ... " (¬2) ، ثم يقول شيخ الإسلام:" وهذا الكلام وأمثاله
¬_________
(¬1) الصارم المسلول (ص455)
(¬2) درء التعارض (5/ 64 -65) .

الصفحة 304