كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

وتجلي الرب لعباده بكشف الحجب المتصلة بهم والمنفصلة عنهم، وإن القرب والتجلي فيه علم العبد الذي هو ظهور الحق له، وعمل العبد الذي هو دنوه إلى ربه ... ثم بعض المتسننة والجهال إذا رأوا ما يثبته أولئك من الحق قد يفرون من التصديق به، وإن كان لا منافاة بينه وبين ما ينازعون أهل السنة في ثبوته، بل الجميع صحيح، وربما كان الإقرار بما اتفق على إثباته أهم من الإقرار بما حصل فيه نزاع؛ إذ ذلك أظهر وأبين وهو أصل للمتنازع فيه، فيحصل بعض الفتنة في نوع تكذيب، ونفي حال أو اعتقاد ككمال المبتدعة، فيبقى الفريقان في بدعة وتكذيب ببعض موجب النصوص، وسبب ذلك أن قلوب المثبتة تبقى معلقة بإثبات ما نفته المبتدعة، وفيهم نفرة عن قول المبتدعة بسبب تكذيبهم بالحق ونفيهم له، فيعرضون عن ما يثبتونه من الحق، أو ينفرون منه أو يكذبون به" (¬1) .
ثم يذكر أمثلة أخرى فيقول:" كما قد يصير بعض جهال المتسننة في إعراضه عن بعض فضائل علي وأهل البيت إذا رأى أهل البدعة يغلون فيها، بل بعض المسلمين يصير في إعراض عن فضائل موسى وعيسى بسبب اليهود والنصارى...... حتى يحكى عن قوم من الجهال أنهم ربما شتموا المسيح إذا سمعوا النصارى يشتمون نبينا في الحرب، وعن بعض الجهال أنه قال: سبوا عليا كما سبوا عتيقكم، كفر بكفر وإيمان بإيمان ... " (¬2) . وحين يذكر تناقض الفلاسفة وغيرهم - حتى في قواعدهم المنطقية - وما أوقعتهم فيه من عقائد فاسدة، يقول:" وهم لم يقصدوا هذا التناقض، لكن أوقعتهم فيه قواعدهم الفاسدة المنطقية " (¬3) . ويركز دائما على أن الانحراف درجات، وأن المنتسبين إلى أصول الدين والكلام أيضا درجات، فيقول:" ومما ينبغي أيضا أن يعرف أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام درجات: منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة.
¬_________
(¬1) مجموع الفتاوى (6/ 25 - 26) .
(¬2) نفس المصدر (6/ 26) .
(¬3) شرح حديث النزول، مجموع الفتاوى (5/ 341) .

الصفحة 307