كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه؛ فيكون محمودا فيما رده من الباطل، وقاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق وقال بعض الباطل، فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد بالباطل باطلا بباطل أخف منه (¬1) ، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة، ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين، يوالون عليه، ويعادون، كان من نوع الخطأ والله سبحانه يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك " (¬2) ، والانحراف بعضه أخف من بعض ف- " قد يكون الرجل على طريقة من الشر عظيمة، فينتقل إلى ما هو أقل منها شرا وأقرب إلى الخير، فيكون حمد تلك الطريقة ومدحها لكونها طريقة الخير الممدوحة، مثال ذلك: أن الظلم كله حرام مذموم، فأعلاه الشرك فإن الشرك لظلم عظيم، والله لا يغفر أن يشرك به وأوسطه ظلم العباد بالبغي والعدوان، وأدناه ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين الله ... وهكذا النحل التي فيها بدعة، قد يكون الرجل رافضيا فيصير زيديا، فذلك خير له، وقد يكون جهميا قدريا فيصير جهميا غير قدرى، أو قدريا غير جهمي، أو يكون من الجهمية الكبار، فيتجهم في بعض الصفات دون بعض ونحو ذلك" (¬3)
ومن قواعد إنصافه أنه لا يبرىء بعض أهل السنة من المحدثين وغيرهم من الوقوع في الخطأ فيقول: " لكن يوجد في أهل الحديث مطلقا من الحنبلية وغيرهم من الغلط قي الاثبات أكثر مما يوجد في أهل الكلام، ويوجد فى أهل الكلام من الغلط فى النفى أكثر مما يوجد في أهل الحديث.... " (¬4) .
تلك قواعد في منطلقه في الانصاف والعدل، وهي التي مهدت لشيخ الإسلام ليتميز بمنهج سليم في هذا الباب، أما الذين ينطلقون في ردودهم الخصوم على أساس أن الحق معهم أو مع طائفتهم، وأن طائفتهم لا يقع فيها خطأ
¬_________
(¬1) كذا، ولعل العبارة: ورد الباطل بباطل أخف منه.
(¬2) مجموع الفتاوى (3/348-349) .
(¬3) الاستقامة (1/ 464- 465) .
(¬4) تفسير سورة الاخلاص، مجموع الفتاوى (17/363) .

الصفحة 308