كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

ولا انحراف، وأن خصومهم على الباطل، وأقوالهم كلها باطلة -هكذا بإطلاق- فهؤلاء لابد أن يقعوا في الخطأ أو باقتراب شيء من الباطل ونسبته إلى الحق، أوجحد شيىء من الحق لأن الخصوم قالوا به.
وننتقل الآن إلى ذكر نماذج من إنصافه لخصومه، والفلاسفة هم أشد خصوم ابن تيمية ومع ذلك يقول فيهم "نعم، لهم في " الطبيعيات" كلام غالبه جيد، وهو كلام كثير واسع، ولهم عقول عرفوا بها ذلك، وهم يقصدون الحق لا يظهر عليهم العناد، لكن جهال بالعلم الالهي إلى الغاية، ليس عندهم منه إلا قليل كثير الخطأ " (¬1) ،كما يذكر أنهم يتفاوتون في القرب والبعد عن الحق (¬2) . ويعترف للمعتزلة ويميزهم عن غيرهم من أهل البدع فيقول: " ولا ريب أن المعتزلة خير من الرافضة والخوارج، فإن المعتزلة تقر بخلافة الخلفاء الأربعة ... ويعظمون الذنوب، فهم يتحرون الصدق كالخوارج، لا يختلقون الكذب كالرافضة ولا يرون أيضا اتخاذ دار الاسلام كالخوارج، ولهم كتب في التفسير القرآن ونصر الرسول، ولهم محاسن كثيرة يترجحون على الخوارج والروافض ... ) (¬3) ، ويرى أنه لم يكن أصل دينهم تكذيب الرسول لكنهم احتجوا بحجج عقلية أدت الى هذا (¬4) .
أما الشيعة فيرى أنه "ليس كل ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلا بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة ووافقهم بعض، والصواب مع من وافقهم، ولكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها " (¬5) ، ولما ذكر تفضيل الخوارج والمعتزلة عليهم ذكر " أن الزيدية من الشيعة خير منهم [أي من الرافضة] ، وأقرب إلى الصدق والعدل والعلم) (¬6) ، ثم قال: " ومع هذا
¬_________
(¬1) الرد على المنطقيين (ص: 43) .
(¬2) درء التعارض (9/276)
(¬3) الفرقان بين الحق والباطل، مجموع الفتاوى (13/97-98) .
(¬4) انظر: درء التعارض (7/106-107)
(¬5) منهاج السنة، تحقبق: رشاد سالم (1/27) .
(¬6) المصدر السابق- مكتبة الرياض الحدينة (3/39) .

الصفحة 309