كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

فالغالب أنها هي التي تنتشر وتشتهر وتبقى أقواله المتأخرة خافتة وضعيفة، ولا يحتج بها إلا عند الرد على الخصوم أو عند الحاجة، وهذا الكلام ينطبق على كثير من أعلام أهل الكلام، فالجويني مثلا اشتهرت كتبه الأشعرية كالشامل والإرشاد ولمع الأدلة، وتناقلها الناس، لكن رجوعه في آخر عمره إلى عقيدة السلف وما سطره في النظامية لا يكاد يعتمد على أنه قوله ومذهبه الذي يجب أن ينسب إليه، ومثله الرازى الذى ألف كتبا فلسفية وكلامية على مذهب الأشاعرة، انتشرت وتناقلها الناس ولكن رجوعه ووصيته في آخر عمره لا تكاد تذكر فيما ينسب إليه من العقائد.
وهذا نفسه ينطق على الأشعري فكتبه الكلامية انتشرت وتناقلها الناس، ومن يطالع مجرد مقالات أبو الحسن الأشعري الذى ألفه ابن فورك- على مافيه من ملاحظات- والذى اعتمد فيه على عدد كبير من مؤلفات الأشعري المفقودة يرى العجب من الآراء الكلامية والمنطقية، ومع ذلك فهي التي انتشرت ونسبت إلى الأشعري أما ما ذكره في المقالات من أقوال أهل الحديث وماسطره في الإبانة فلا تجد لهـ في الغالب- ذكرا لدى الأشعرية المتأخرين.
لذلك فحينما نناقش قضية رجوع الأشعري قد لا تكون هناك فائدة كبيرة لأولئك الذين أشربوا المذهب الأشعري في أطواره الأخيرة، وإنما هو منهج في بيان مذهب السلف والرد على متأخرى الأشعرية بأقوال شيخهم أبي الحسن وانهم لم يقولوا بما قاله في كتبه المتأخرة كالإبانة وغيره، وان أقواله إنما تدعم ما يقوله من يسير على مذهب السلف أهل السنة والجماعة.
2- أن أهم ما يميز مذهب ابن كلاب- الذي تابعه الأشعري بعد رجوعه عن الاعتزال- قوله في مسألة الكلام والصفات الاختيارية لله تعالى، أما الصفات اللازمة لله تعالى فهو يثبتها مثل السمع والبصر والعلم والقدرة، ومثل اليدين والوجه والعينين والعلو والاستواء وغيرها لكنه قال بامتناع أن تقوم الصفات الاختيارية بذات الله مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك، وعلل ذلك بأنه يستلزم حلول الحوادث بذات الله تعالى وما لم يخل من الحوادث

الصفحة 386