كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

الذى دعاه إلى هذا التأويل البعيد خوفه من أن يوصف القرآن بأنه محدث، والحدوث: في اصطلاح أهل الكلام بمعنى الخلق، فالمحدث هو الخلوق، وهذا هو الذى فر منه الأشعري، لكن الحدوث في لغة العرب يكون بمعنى التجدد، فيسمون ما تجدد حادثا، وما تقدم على غيره قديما (¬1) ، فلماذا لم يفسر الأشعري هذه الآية بالمعنى الثاني وأن المقصود به القرآن؟ ولا يقتضي ذلك أن يكون مخلوقا، وقد بوب الإمام البخارى في صحيحه لذلك فقال:"باب قول الله تعالى: {كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29] ، {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} [الأنبياء:2] ، وقوله تعالى: {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} [الطلاق: ا] ، وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع العليم} [الشورى:11] ، وقال ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء، لان مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة"، ثم ذكر البخارى أثرين عن ابن عباس في هذا، أحدهما قوله:"كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدا بالله، تقرأونه محضا لم يشب (¬2) ... " (¬3) ، وفي رواية أخرى لهذا الأثر "أحدث الأخبار بالله" (¬4) ، وهذا بناء على قول أهل السنة: إن الله يتصف بالصفات الاختيارية، وأن كلامه متعلق بالمشيئة، وأن من صفات كمال تعالى أنه لم يزل متكلما اذا شاء، وهذا الذى قال به الامام أحمد والبخارى وغيرهما وردوا على الكلابية الذين ينكرون هذا (¬5) .
والظاهر أن تأويل الأشعري للآية {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث}
¬_________
(¬1) انظر: معجم مقاييس اللغة (2/36) ، ودرء التعارض (1/374) ، وقد ذكر شيخ الإسلام أن هذه الآية تدل على نقيض قول المعتزلة " فإنها تدل على أن بعض الذكر محدث، وبعضه ليس بمحدث، وهو ضد قولهم".
(¬2) لم يشب أي لم يخالطه غيره، الفتح (13/499) .
(¬3) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، ورقم الأثر (7522) 0 الفتح (13/ 396) .
(¬4) انظر: فتح الباري (13/499) .
(¬5) انظر: درء التعارض (2/291- ا 30) .

الصفحة 404