كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

وحتى تتضح الصورة بالنسبة لتصوفه لابد من الإشارة إلى ما يلي:
1- أن تصوف المحاسبي لم يكن كتصوف غيره في الغلو والانحراف، بل كان كثيرا ما يشير إلى وجوب الالتزام بالكتاب والسنة، ومتابعة الشرع، وإذا كان المحاسبي يركز على أعمال القلوب وخطرات النفوس، ومسائل تتعلق ببواطن الأعمال ومقاصد الإنسان فيها كالنية، والمراقبة، والتوكل، والتيقظ، والعجب، والرياء، والحسد وغيرها- ويطيل الكلام في كل واحدة منها بما ير اه من وسائل إصلاح النفس- الا أنه يأمر مع ذلك باتباع الشرع بفعل الأوامر واجتناب النواهي، يقول في آداب النفوس:"ثم اعلم يا أخي أن الله جل ذكره قد افترض فرائض ظاهرة وباطنة، وشرع لك شرائع، دلك عليها، وأمرك بها، ووعدك على حسن أدائها جزيل الثواب، وأوعدك على تضييعها أليم العقاب رحمة لك، وحذرك نفسه شفقة منه عليك، فقم يا أخي بفرائضه، والزم شرائعه، ووافق سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، واتبع آثار أصحاب نبيه والزم سيرتهم، وتأدب بآدابهم واسلك طريقهم ... " (¬1) ويقول عن أول منزلة من الرعاية لحقوق الله عز وجل أنها: "الرعاية عند الخطرات، بعد اعتقاد جمل حقوق الله تعالى، فلا تخطر بقلبه خطرة من أعمال قلبه الا جعل الكتاب والسنة دليلين عليها، فلم يقبلها باعتقاد الضمير، ولا يتركها يسكن قلبه في مجال الفكر من التمني وغيره، الا أن يشهد له العلم أن الله تعالى قد أمر بها وندب إليها أو أذن فيها بأسبابها وعللها ووقتها وإرادته فيها؛ فإنه قد يقبل الخطرة يرى أنها داعية الى سنة وهي بدعة، وقد يرى أنها داعية إلى طاعة وهي معصية، وقد يرى أنها داعية إلى خير وهي شر ... " (¬2) وكثيرا ما يذكر الأدلة على بعض الأمور التي يذكرها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة (¬3) .
¬_________
(¬1) آداب النفوس (ص: 38) .
(¬2) الرعاية (ص: 96) .
(¬3) انظر: رسالة المسترشدين (ص: 36) وما بعدها.

الصفحة 457