كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 1)

به، فلم يغتر بما حفظ، وعد نفسه جاهلا بالعلم بعد حفظه له، وأسوأ حالا ممن لم يحفظه ولم يدرسه ولم يروه" (¬1) .
فالمحاسبي بهذا الكلام إنما يرسم منهجا ارتضاه وينتقد من خالفه، ولو كان من أهل الحديث والسنة، ولاشك أن هؤلاء هم الذين حفظوا للأمة الحديث النبوى وميزوا صحيحه من ضعيفه، وفي هذا من الجهاد والطاعة والعمل الصالح والتقرب إلى الله عز وجل والمنزلة عنده مالا يبلغه زهد الزاهدين وعزلتهم.
وقد عاب المحاسبي في كتاب العلم من يهتم بالفقه ومعرفة الحلال والحرام فيما يتنازع الناس فيه فقال:"أما ما تولد من ذلك [أى من أحكام الحلال والحرام] لتنازع الناس وتجاذبهم للدنيا فقد يستغنى عنه بعض الناس إذا قام به الغير، وقد يكون الرجل في جميع عمره لا تنوبه مسألة من بعض تلك المسائل" (¬2) ، ثم بعرضه منهجه ونقده لهم بقوله:"فلو أن رجلا تبحر في نحو هذه المسائل وغاص في فنونها فقيل له: ما النية؟ وما عزيمتها؟ وأى شيء محلها من القلب؟ وماذا يدخل عليها من الفساد من قبل النفس ومن قبل العدو؟ أو قيل له: ما الورع؟ عجز عن جوابه، فللورع منازل يحتاج إلى معرفتها، فهذه أصول من أصول الدين التي يحدث فيها عند منازعة النفس وادخالها فها ماليس ينبغي أن يدخل فيها بتفرع القول فيها أكثر من تفرعه في الحلال والحرام، وهو أولى في التعليم والحفظ على الأمة من ذلك 000" (¬3) ، ويقول في موضع آخر:"فاتق الله ياعبد الله ولا تدع العلم بمعرفة الفتيا فإن العلم هو العلم بالله عز وجل" (¬4) ، ويدعو الى أتباع آثار الصوفية الذين هم الخاصة ويأمر بسلوك طريقهم (¬5) .
¬_________
(¬1) الرعاية (ص: 444- 445) .
(¬2) العلم (ص: 86) .
(¬3) المصدر السايق (ص: 86-87) .
(¬4) المصدر نفسه (ص: 92) .
(¬5) انظر: فهم القرآن (ص: 267-. 27) .

الصفحة 460