قد انتشر أيضا في بلاد ما وراء النهر، خاصة وأن تلك المنطقة كانت كما يقول المقدسي تغص بمختلف الطوائف والفرق (¬1) ، ولذلك فمن المحتمل أن يكون الماتريدي أو أحد شيوخه قد تلقى هذا المذهب عن بعض أعلام أو أتباع الكلابية.
15- تطور المذهب الأشعري - كما سيأتي - وكان تطوره بالقرب من مذهب المعتزلة أو بالالتصاق بالفلسفة أو التصوف، أما المذهب الماتريدي فلم يقع في التطور، بل بقيت أقوال الماتريدي - الذي لم يحدث له تطور كما حدث للأشعري - هي المعتمدة لدى متأخري الماتريدية كأبي المعين النسفي (¬2) ، ونجم الدين أبي حفص النسفي (¬3) ، ونور الدين الصابوني (¬4) ، وابن الهمام (¬5) ، وغيرهم، فهؤلاء وإن كان قد يقع لبعضهم مخالفة لمذهب شيخهم، إلا أن الأمر لا يصل إلى مستوى التطور الذي حدث للمذهب الأشعري.
16- اهتم العلماء ببيان الفروق بين مذهبي الأشاعرة والماتريدية، وقسموا الفروق أحيانا إلى لفظية ومعنوية (¬6) .
¬_________
(¬1) انظر أحسن التقاسيم (ص:323) .
(¬2) هو: ميمون بن محمد بن محمد بن معتمد، أبو المعين النسفي المكحولي، من أشهر كتبه التمهيد وتبصرة الأدلة في العقائد توفي سنة 508هـ، وهو الذي روى عن أبي حنيفة القول بفساد صلاة من يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع، مما سبب في قول كثير من الأحناف بعدم صحة صلاة الحنفي خلف الشافعي، انظر تفاصيل هذا الموضوع ومدى صحة نسبته إلى أبي حنيفة في الفوائد البهية في ترجمة أبي المعين النسفي (ص: 216-217) .
وانظر في ترجمته: الجواهر المضية (3/527) ، وتاج التراجم (ص: 78) .
(¬3) هو: عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل النسفي السمرقندي، كان من المهتمين بالحديث ولذلك نعته السمعاني بالحافظ لكنه قال: إن مجموعاته الحديثة فيها أخطاء وأوهام كثيرة، انظر، التحبير (1/527-5287) ، توفي أبو حفص النسفي سنة 537هـ، وانظر في ترجمته أيضا معجم الأدباء (16/70) ، والجواهر (2/657) .
(¬4) هو: أحمد بن محمود بن أبي بكر الصابوني، أبو محمد له البداية في أصول الدين، توفي سنة 580هـ، انظر: الجواهر (1/328) ، وتاج التراجم (ص:10) .
(¬5) هو: محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد، كمال الدين، الشهير بابن الهمام الكندري السيواس، ولد سنة 790هـ، وتوفي سنة 861هـ، من كتبه مسايرة في العقيدة، انظر: الفوائد البهية (ص: 180) .
(¬6) هناك في هذا الموضوع كتب مخطوطة كثيرة، ومن المطبوع، كتاب نظم الفرائد لشيخ زاده، والروضة البهية لأبي عذبه.