كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 2)

في التهافت من ذكر الوجهين لكنه زاد على ما في التهافت بأن عقب بقوله: " ومساق هذا الكلام يتقاضى بث جملة من أسرار الدين إن شرعنا في استقصائها ورغبنا في كشف غطائها " (¬1) .
وخلاصة رد الغزالي أن نصوص الصفات محتملة، أما نصوص المعاد فهي كثيرة بحيث بلغت مبلغاً لا يحتمل التأويل، ثم إن أدلة العقول أوجبت تأويل نصوص الصفات أما نصوص المعاد فلا تؤول لأنها لا تخالف أدلة العقول، وهؤلاء الملاحدة قد يقولون: إن نصوص الصفات أكثر من نصوص المعاد، كما أنهم قد يعترضون باعتراضات عقلية علىنصوص المعاد، فكيف يكون جوابهم؟
والي يظهر أن الغزالي شعر بضعف المناقشة فأحال في الإحياء - لما تطرق إلى هذا الموضوع - إلى الكشف، فقال بعد كلام طويل حول تباين الطوائف في التأويل بحيث وصل الأمر بالفلاسفة أن يؤولوا كل ما ورد في الآخرة: " وجد الاقتصاد بين هذا الانحلال كله، وبين جمود الحنابلة دقيق غامض لا يطلع عليه إلا الموفقون الذين يدركون الأمور بنور إلهي، لا بالسماع، ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قروره، وما خالف أولوه، فأما من يأخذ معرفة هذه الأمور من السمع المجرد فلا يستقر له فيها قدم ولا يتعين له موقف " (¬2) .
وهكذا انتقل الغزالي من ضعف المناقشة إلى الإحالة على الكشف.
أما الرازي: فإنه قال في مسألة إثبات المعاد بعد أن استدل عليه بنصوص السمع، وإجماع الأنبياء: " فإن قيل: لا نسلم إجماع الأنبياء - صلوات الله عليهم - على ذلك، وأما الظواهر في القرآن والأخبار الدالة على إثبات المعاد البدني فإنه لا يجوز التعويل عليها في هذه المسألة من وجهين: أحدهما: أنكم قد دللتم في أول هذا الكتاب على أن التمسك بظواهر الآيات والأحاديث لا يفيد القطع.
¬_________
(¬1) فضائح الباطنية (ص: 155) .
(¬2) إحياء علوم الدين (1/104) .

الصفحة 903