كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 2)

وثانيهما: هو أن المتشابهات الواردة في القرآن الدالة على التشبيه ليست أولى ولا أضعف دلالة من الآيات الدالة على إثبات المعاد الجسماني، ثم إنكم تجوزون تاويل تلك الآيات، فلم لا تجوزون أيضاً تأويل الآيات الواردة هاهنا.." (¬1) ، ثم قال الرازي في الجواب: " قولكم قد دللتم على أن التمسك بظواهر الآيات والأخبار لا يفيد القطع قلنا: لم نتمسك في هذا الموضع بآية معينة ولا بحديث معين، وإنما تمسكنا بما علم ضرورة من دين الأنبياء عليهم السلام في إثبات المعاد البدني، وبهذا خرج الجواب عن قوله: إن في كتاب الله آيات كثيرة دالة على التشبيه والقدر لأنا لم نتمسك بالآيات حتى يلزمنا الجواب عن هذه المعارضة، بل الأمر المعلوم بالضرورة من دينهم، ولم يقل أحد: إنهم علم من دينهم - عليهم السلام - بالضرورة قولهم بالتشبيه والقدر، فظهر الفرق " (¬2) . فالرازي أحال على الضرورة فقط دون النصوص في المعاد.
ويذكر الرازي في باب التكفير - بعد أن رجح ماحده الغزالي للكفر وهو أنه " تكذي الرسول في شيء مما جاء به ونعني بالتكذيب نفس التكذيب بما علم من الدين ضرورة " (¬3) ، يذكر عدة اعتراضات منها: " أن صاحب التأويل إما أن يجعل من المكذبين، بل يجعل من المكذبين من يرد قوله عليه السلام من غير تأويل - وإما أن يجعل من المكذبين، فإن كان الأول لزمنا أن لا نكفر الفلاسفة في قولهم بقدم العالم، وإنكارهم علمه تعالى بالجزئيات (¬4) ،وإنكارهم الحشر والنشر، لأنهم يذكرون للنصوص الواردة في هذه المسألة تأويلات ليست بأبعد من تأويلاتكم النصوص الواردة في التشبيه، لأنهم يحملون النصوص الواردة في خلق الله تعالى العالم على تأثيره في العالم واحتياج العالم في وجوده إليه، ويحملون النصوص الواردة في علمه بالجزئيات، على أنه قد يعلم كل الجزئيات، على وجه كلي،- ويحملون النصوص الواردة في الحشر والنشر على أحوال النفس الناطقة في شقاوتها وسعادتها بعد المفارقة " (¬5) ، ثم قال
¬_________
(¬1) نهاية العقول - مخطوط - (265 - أ) .
(¬2) المصدر السابق (266- ب) .
(¬3) المصدر نفسه (288-أ) .
(¬4) في المخطوطة: الجهات، والتصويب، من نقض التأسيس، المطبوع، (1/225) .
(¬5) نهاية العقول (288-أ) .

الصفحة 904