كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 2)

ولا يقع فيها تلبيس ولا تدليس " (¬1) . وهو يشير بقوله: " مواضع في مثلها " إلى نصوص المعاد والجنة والنار وما فيهما من النعيم والعذاب الحسي.
2- أن نصوص الصفات منها ما يقبل التأويل - على حد زعم ابن سينا - ولكن فيها ما لا يقبل التأويل بحال، ويضرب لذلك بمثل قوله تعالى: {هَلْ ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} (الأنعام: 158) ، ويقول عنها وما يجري مجراها: " ليس مماتذهب الأوهام فيه البتة إلى أن العبارة مستعارة أو مجازة، فإن كان أريد فيها ذلك إضماراً فقد رضي بوقوع الغلظ والشبهة، والاعتقاد المعوج بالإيمان بظاهرها تصريحاً " (¬2) ، وبعد أن يذكر بعض النصوص التي هي في موضع المجاز والاستعارة على حد زعمه مثل نصوص اليد والجنب يقول عنها: " كما أن في هذه الأمثلة لا تقع شبهة في أنها استعارة مجازية كذلك في تلك لا تقع شبهة في أنها ليست استعارة ولا مراداً فيها شيء غير الظاهر" (¬3) ، والنتيجة التي يريد ابن سينا أن يخلص إليها هي أنه إذا كانت هناك نصوص صريحة ظاهرة ولا تقبل التأويل، ثم إنكم أيها المتكلمون تأولتموها، فهذا يدل على أن نصوص الشرع كافة غير مقصود بها ما يدل عليه ظاهرها، لذلك تصبح من باب خطاب الجمهور وهي غير محتج بها في هذه الأبواب ومن ثم فيجب ألا يعتمد في إثبات المعاد عليها، بل المرجع في ذلك إلى العقل وأدلته (¬4) .
أما ابن رشد (¬5)
- أخطر الفلاسفة - فقد حاول أن يقارب الهوة التي تفصل بين دين الأنبياء ومذاهب الفلاسفة، وذلك بقوله إن للنصوص ظاهراً
¬_________
(¬1) الأضحوية لابن سنيا (ص: 99) .
(¬2) المصدر السابق (ص: 99-100) .
(¬3) المصدر نفسه (ص:100) .
(¬4) المصدر نفسه (ص:103) .
(¬5) هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، المسمى بابن رشد الحفيد، تمييزاً له عن جده شيخ المالكية، ولد الحفيد سنة 520هـ، واتصل - عن طريق الفيلسوف ابن طفيل - بالأمير الموحدي أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، الذي كان مائلاً إلى أقوال الفلاسفة - فكلفه بشرج وتقريب كتب أرسطو، ففعل ابن رشد وألف في ذلك كتباً عديدة من أشهرها شرح ما بعد الطبيعة لأرسطو - مطبوع - فلما تولى المنصور يعقوب قربه أولاً، ثم نكبه ثانياً فنفى وأحرقت كتبه، ثم رضى عنه لكنه توفي بعد ذلك =بقليل سنة 594هـ، وقيل سنة 595هـ، من مؤلفاته: تهافت التهافت، ومناهج الأدلة، وفصل المقال، وغيرها كثير، ويعتبر ابن رشد من أخطر الفلاسفة لأمور: أولهما: أنه كان قاضياً وفقيهاً، وهو صاحب بداية المجتهد وهذا يعطيه مكانة بين الناس، وثانيها: أنه حاول أن يقرب بين الفلسفة والدين، وأن يجعل من هؤلاء الملاحدة أناساً أخياراً وفضلاء، وثالثهما: التصاقه بالدولة الموحدية التي قامت على أنقاض الدولة المرابطية المسنية، وهذا أعطاه جرأة في أقواله وآرائه ولذلك لم يستطع علماء الإسلام أن يبينوا حقيقة حاله إلا بعد جهد، انظر في ترجمته ومحنته، عيون الأنباء (ص: 530) ، والديباج المذهب (2/257) ، وتاريخ قضاة الأندلس (ص: 111) ، وسير أعلام النبلاء (21/307) ، والوافي (3/114) ، وانظر ابن رشد للعقاد (ص: 18-26) ، وابن رشد فيلسوف قرطبة (ص: 9) ، وما بعدها، وفي فلسفة ابن رشد الوجود والخلود - بيصار (ص: 39) ، وما بعدها، وابن رشد الحفيد: حمادي العبيدي (ص: 13) ، وما بعدها، وقصة الصراع بين الدين والفلسفة، توفيق الطويل (ص: 126-133) ، ودراسات في الفلسفة الإسلامية، محمود قاسم (ص: 87-135) وغيرها..

الصفحة 907