كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 2)

والملاحظ أن ابن رشد - وهو يتكلم عن الظاهر والباطن - قسم النصوص إلى ثلاثة أقسام:
1- قسم تأويله كفر، وهو ما كان في الأصول، ويمثل لذلك بمن يعتقد أن لا سعادة أخروية ولا شقاء، وأنه قصد بما ورد فيها إصلاح أحوال الناس في الدنيا، وأن ذلك حيلة، وأنه لا موجود إلا المحسوس (¬1) ، وابن رشد يريد بهذا القول أن يدافع عمن يقلده من الفلاسفة، وأنهم لم يقصدوا إنكار وجود سعادة أخروية، ,وإن فسروا هذه السعادة بأنها للنفوس والأرواح فقط.
2- ما يجب تأويله من الظواهر لأهل البرهان فقط دون العامة، مثل الصفات والعلو - كما سبق بيانه -.
3- وهناك نوع ثالث - وهذا هو الموطن الذي تسلط فيه على المتكلمين - متردد بين هذين الصنفين عند أهل النظر والبرهان فقط، فبعضهم يلحقه بالأول وبعضهم يلحقه بالثاني، والمخطئ فيه منهم معذور، أما الجمهور فليس لهم تأويله، ويجعل ابن رشد أمر المعاد من هذا النوع فيقول: "فإن قيل: فإذا تبين أن الشرع على ثلاث مراتب، فمن أي هذه المراتب الثلاث هو عندكم ما جاء في صفات المعاد وأحواله، فنقول: إن هذه المسألة، الأمر فيما بين، إنها من الصنف المختلف فيه، وذلك أنا نرى قوماً ينسبون أنفسهم إلى البرهان يقولون: إن الواجب حملها على ظواهرها؛ إذ كان ليس هاهنا برهان يؤدي إلى استحالة الظاهر فيها، وهذه طريقة الأشعرية، وقوم آخرون أيضاً ممن يتعاطى البرهان يتأولونها، وهؤلاء يختلفون في تأويلها اختلافاً كثيراً، وفي هذا الصنف أبو حامد معدود، هو وكثير من المتصوفة، ومنهم من يجمع فيه التأويلين كما فعل ذلك أبو حامد في بعض كتبه" (¬2) ، ثم يقول ابن رشد: "ويشبه
¬_________
(¬1) فصل المقال (ص: 47) .
(¬2) فصل المقال (ص: 49-50) ، أما ما أشار إليه ابن رشد من مذهب الغزالي، فقد سبق في ترجمة الغزالي بيان ميوله الفلسفية والصوفية، فمثل ما يشير إليه ابن رشد ليس غريباً عليه، وانظر الاقتصاد (ص: 134-135) والأربعين (ص: 215-216) ، والغزالي لا ينكر المعاد، بل ثبته - وقد سبق نقل رده على الباطنية فيه - ولكنه في بعض كتبه يفسر بعض أحواله تفسيرات فلسفية.

الصفحة 909