كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 2)

والأرض في ستة أيام، فهذا يدل على أنه خلقها من مادة قبل ذلك كما أخبر أنه {استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين} [فصلت:11] ، وكذلك في أول التوراة ما يوافق هذا.
قالوا: وهذا النص وإن كان يناقض قولنا بقدم العالم فليس فيه ما يدل على قولكم بتعطيل الصانع عن الصنع، وحينئذ فنحن نقول في هذا النص وأمثاله من نصوص المبدأ والمعاد ما نقوله نحن وأنتم في نصوص الصفات" (¬1) ، والملاحظ أنه مع أن الموضوع هو دليل حدوث العالم الذي لا يرجع فيه هؤلاء ولا هؤلاء إلى أدلة النصوص، وإنما يرجعون إلى أدلة العقول، الملاحظ أنهم استطالوا عليهم في اتفاقهم معهم على تأويل نصوص الصفات، لذلك فمن حقهم أن يؤولوا أيضاً نصوص حدوث العالم وما في الآخرة وهو ما يعبر عنه بالمبدأ والمعاد.
وهؤلاء الذين استطالوا على المتكلمين قسام، يقول شيخ الإسلام: "ثم من هؤلاء من سلك طريق التأويل كما فعل ذلك من فعله من القرامطة كالنعمان قاضيهم، صاحب أساس التأويل، وكأبي يعقوب السجستاني صاحب الأقاليد الملكوتية، وكتاب الافتخار، وأمثالهما، وألقى هؤلاء جلباب الحياء (¬2) وكابروا الناس وباهتوهم، حتى ادعوا أن الصلاة معرفة أسرارهم أو موالاة أئمتهم، والصوم كتمان أسرارهم، والحج زيارة شيوخهم، وهذا يبوحون به إذا انفردوا بإخوانهم".
¬_________
(¬1) انظر: الصفدية (1/275-276) .
(¬2) من المؤسف حقاً أن هذه الكتب الإلحادية الباطنية التي ألقي فيها جلباب الحياء، وجاهر فيها أصحابها بكل إلحاد وزندقة قد بدأ تنتشر وتطبع على يد مؤسسات وأفراد تفرغو لخدمة هذه الطوائف.
وانظر أمثلة لتأويلات هؤلاء في بعض الكتب التي أشار إليها شيخ الإسلام، منها: أساس التأويل للقاضي النعمان، قاضي قضاة الدولة الفاطمية المتوفي سنة 363هـ، انظر: (ص: 38) وما بعدها، (وص: 50) وما بعدها، وانظر: كتاب الافتخار للداعي الإسماعيلي أبي يعقوب السجستاني المتوفي سنة 353هـ (ص: 24) وما بعدها، (وص: 74) وما بعدها، أما كتاب الهفت المروي عن جعفر الصادق والمنسوب إلى المفضل الجعفي - فقد غطى على هذه الكتب وبلغ الغاية في الكفر والزندقة والإلحاد مع التأويلات المضحكة التي لا يقبلها أي عقل، انظر: (ص: 32) وما بعدها.

الصفحة 914