كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 2)

" وأما الذين سكنوا بين المسلمين كالفارابي وابن سينا وأمثالهما فما أمكنهم أن يقولوا مثل هذا، وعلموا أنه مما يظهر بطلانه فقالوا: إن الرسل إنما خاطبت بما يخيل إليهم أموراً ينتفعون باعتقادها في الإيمان بالله واليوم الآخر، وإن كان ما يعتقدون من تلك الأمور باطلاً لا يطابق الحقيقة في نفسه، والخطاب الدال على ذلك كذب في الحقيقة عندهم، لكنه يسوغ الكذب الذي يصلح به الناس، ومن تحاشى منهم على إطلاق الكذب على ذلك فعنده أنه من باب تورية العقلاء الذين يورون لمصلحة أتباعهم" (¬1) ، ومن هؤلاء من يجوز التأويل لأهل البرهان من الفلاسفة، أما الجمهور والعامة فلا يجوز عليهم التأويل، يقول شيخ الإسلام معقباً على ما سبق: "فكان ما سلكه أولئك المتكلمون في العقليات الفاسدة، والتأويلات الحائدة هي التي أخرجت هؤلاء إلى غاية الإلحاد ونهاية التكذيب للمرسلين وفساد العقل والدين" (¬2) .
والملاحظ أن ابن سينا مع أنه تأثر بكلام المتكلمين وخاصة المعتزلة - وذلك في مسائل منها نفي الصفات والعلو - إلا أنه لما خلط هذه الأقوال بأقوال الفلاسفة صار يستطيل على هؤلاء المتكلمين "ويجعل القول الذي قاله هؤلاء هو قول المسلمين، وليس الأمر كذلك، وإنما هو قول مبتدعتهم، وهكذا عمل إخوانه القرامطة الباطنية صاروا يلزمون كل طائفة من طوائف المسلمين بالقدر الذي وافقوهم عليه مما هو مخالف للنصوص، ويلزمونهم بطرد ذلك القول حتى يخرجوهم عن الإسلام بالكلية" (¬3) ، ونصوص شيخ الإسلام في هذا كثيرة (¬4) - لأن خطأ هؤلاء المتكلمين في هذه المسألة التي هي من أهم المسائل، بل وكثيراً ما يجعلونها عماد التوحيد، وهي مسألة حدوث العالم - كان سبباً في تسلط هؤلاء الملاحدة عليهم.
¬_________
(¬1) الصفدية (1/276) .
(¬2) المصدر السابق (1/277) .
(¬3) درء التعارض (8/239) .
(¬4) انظر: شرح الأصفهانية (ص: 138، 256-267) - ت العودة، (وص: 71) من المطبوعة، ومنهاج السنة (1/104-109، 213-215، 249-251) - المحققة - ودرء التعارض (1/372-373، 2/281-288، 8/98، 282-283) .

الصفحة 915