كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 2)

ولاشك أن هذا مدخل سهل ويسير لمن أراد أن يطعن في بقية النصوص، ويلزم هؤلاء فيها بما التزموه في نصوص الصفات والعلو التي جاءت نصاً صريحاً في مدلولاتها.
ولذلك لما رد شيخ الإسلام على هؤلاء في قانونهم الفاسد الذي قالوا فيه بتقديم العقل على النقل عند التعارض، جعل أحد الأوجه في الرد عليهم بيان استطالة الملاحدة على هؤلاء المتكلمين - وقد سبقت الإشارة إلى ذلك، مع الإحالة في تفصيله إلى هنا (¬1) -، يقول شيخ الإسلام: "الوجه العشرون أن تقول: ما سلكه هؤلاء نفاة الصفات من معارضة النصوص الإلهية بآرائهم هو بعينه الذي احتج به الملاحدة الدهرية عليهم في إنكار ما أخبر الله به عباده من أمور اليوم الآخر، حتى جعلوا ما أخبرت به الرسل عن الله وعن اليوم الآخر لا يستفاد منه علم، ثم نقلوا ذلك إلى ما أمروا به من الأعمال: كالصلوات الخمس، والزكاة، والصيام، والحج. فجعلوها للعامة دون الخاصة، فآل الأمر بهم إلى الإلحاد في الأصول الثلاثة التي اتفقت عليها الملل كما قال تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصائبين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 62] ، فأفضى الأمر بمن سلك سبيل هؤلاء إلى الإلحاد في الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح وسرى ذلك في كثير من الخائضين في الحقائق من أهل النظر والتأله من أهل الكلام والتصوف، حتى آل الأمر بملاحدة المتصوفة كابن عربي صاحب فصوص الحكم وأمثاله إلى أن جعلوا الوجود واحداً وجعلوا وجود الخالق هو وجود المخلوق وهذا تعطيل للخالق، وحقيقة قولهم فيه مضاهاة لقول الدهرية الطبيعية الذين لا يقرون بواجب أبدع الممكن، وهو قول فرعون، ولهذا كانوا معظمين لفرعون ... وآخر تحقيقهم استحلال المحرمات وترك الواجبات، كما كان يفعل أبرع محققيهم التلمساني وأمثاله (¬2)
- ثم ذكر أحوال الصوفية، والقرامطة الباطنية والإسماعيلية ومن كان ينتسب إليهم كابن سينا وغيره (¬3) -، ثم قال:
¬_________
(¬1) انظر: ما سبق في هذا الفصل في مبحث لا تعارض بين العقل والنقل، الفقرة السادسة.
(¬2) انظر: درء التعارض (5/3-4) ..
(¬3) انظر: المصدر السابق (5/4-10) .

الصفحة 918