كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 2)

وفي موضوع يذكر نماذج من هذا التسلط فيقول:
" المتفلسفة الدهرية كالفارابي وابن سينا يزعمون أن العقل يحيل معاد الأبدان، فيجب تقديم العقليات على دلالة السمع، ويخاطبون من أقر بالمعاد من المعتزلة وموافقيهم في نفي ذلك بما تخاطب به المعتزلة المثبتة للصفات ويقولون لهم: قولنا في نصوص المعاد كقولكم في نصوص الصفات، وهكذا خاطبت القدرية من المعتزلة والشيعة وغيرهما متكملة الإثبات في مسألة القدر، وقالت: القول في النصوص المثبتة للقدر وأن الله خالق أفعال العباد، كالقول في نصوص الصفات " (¬1) .
ويشرح المأزق الذي وقع فيه هؤلاء المتكلمون فيقول: "إن هؤلاء النفاة للصفات المثبتين للمعاد هم بين المؤمنين بالجميع كالسلف والأئمة، وبين الملاحدة المنكرين للصفات والمعاد، فالملاحدة تقول لهم: قولنا في نفي كقولكم في نفي الصفات، فلا يستدل بالشرع على هذا ولا على هذا لمعارضة العقل له.
والمؤمنون بالله ورسوله يقولون لهم: قولنا لكم في الصفات كقولكم للملاحدة في المعاد، فإذا قلتم للملاحدة: إثبات المعاد معلوم بالاضطرار من دين الرسول قلنا لكم: وإثبات الصفات والعلو والأفعال معلوم بالاضطرار من دين الرسول" (¬2) .
ولما ناقش شيخ الإسلام نفاة العلو ورد عليهم طويلاً، كان من ضمن منهجه في الرد عليهم بيان هذه الاستطالة من جانب الملاحدة، وأنه لا يستطيع نقض أقوالهم ما دام موقفهم من نصوص العلو المتواترة بهذه الطريقة، وقد ساق شيخ الإسلام حواراً بين هؤلاء بين فيه كيف ينتهي الأمر إلى عجز المتكلمين عن مناقشة الملاحدة إلا بنوع من التناقض، يقول شيخ الإسلام في مقدمة هذا الحوار: "أن يقال لمن أجاب بهذا عن النصوص [وذلك حين قال: إنها معارضة بأدلة العقول] :
¬_________
(¬1) درء التعارض (5/250-251) .
(¬2) المصدر السابق (5/301-302) .

الصفحة 920