كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 3)

موافقة لهذا" (1) ، ويلاحظ التصريح بلفظ " أول " في الحديث حيث قال: " فليكن أول ما تدعوهم إليه " فهو نص في الموضوع، مع أن المتواتر من أحواله - صلى الله عليه وسلم- وسيرته أنه كان يدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله، وهذا منهج رسل الله جميعا حيث إنهم " يأمرون بالغايات المطلوبة من الِإيمان بالله ورسوله وتقواه، ويذكرون من طرق ذلك وأسبابه ما هو أقوى وأنفع، وأما أهل البدع المخالفون لهم فبالعكس يأمرون بالبدايات والأوائل (2) "، وإذا
كانت معرفة الله فطرية، والعباد مفطورون على الِإقرار بربهم وخالقهم فالأجدى والأنفع لهم أن يدعوا إلى إفراد هذا الرب بالعبادة والطاعة، لا أن يشغلوا بما هو بدهي وفطري، ومع ذلك فإن شيخ الإسلام يذكر أن بعض الناس قد يعرض له ما يفسد فطرته فيكون بحاجة إلى نظر حتى تحصل له المعرفة، والخطأ الذي وقع فيه أهل الكلام زعمهم أن معرفة الله لا تتم إلا بهذا الطريق، يقول شيخ الإسلام: "إن الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة وهذا قول جمهور الناس، وعليه حذاق النظار، أن المعرفة تارة تحصل بالضرورة وتارة بالنظر" (3) . وقد سبق في بداية هذه الفقرة ذكر الخلاف في ذلك.
2- ومن الأدلة على أن النظر ليس أول واجب قوله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" [العلق: 1] ، يقول شيخ الاسلام: " وهذه الآية أيضا تدل على أنه ليس النظر أول واجب، بل أول واجب ما أوجب الله على نبيهـ صلى الله عليه وسلم- "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ"، لم يقل انظر واستدل حتى تعرف الخالق، وكذلك هو أول ما بلغ هذه السورة، فكان المبلغون مخاطبين بهذه الآية قبل كل شىء، ولم يؤمروا فيها بالنظر والاستدلال " (4) ، ويجيب هنا عن
__________
(1) درء التعارض (8/6-7) .
(2) المصدر السابق (8/21) .
(3) مجموع الفتاوى (16/328) .
(4) مجموع الفتاوى (16/328) ، وانظر أيضا (16/232) .

الصفحة 938