كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 3)

وهنا نشير إلى طرائقهم في إثبات هذا التوحيد- توحيد الربوبية- لأنهم عنوا به كثيرا، وأطالوا بحثه في كتبهم، وقد ناقشهم شيخ الإسلام ابن تيمية وبين ما في أقوالهم وأدلتهم من الحق والباطل.
وشيخ الإسلام يبين دائما أن مسألة إثبات الربوبية من المسائل التي فطر عليها بنو آدم، ولذلك فهو حينما يذكر طرق هؤلاء الأشاعرة وغيرهم في إثبات الصانع، إنما يذكرها لأنهم يعارضون بها كلام الله وكلام رسوله، ويزعمون أن هذه الأدلة العقلية تعارض ما جاءت به الرسل. ويهدف من وراء مناقشتهم إلى بيان أمرين:
أحدهما: أن ما عارض النصوص من أقوالهم وأدلتهم لا يكون إلا باطلا.
والثاني: أن ما لم يعارض نصوص الوحي، قد يكون حقا وقد يكون باطلا وما كان منها حقا فقد يكون طويلا لا يحتاج إليه (1) .
كما أن شيخ الاسلام ينتقد هؤلاء المتكلمين حين يزعمون أن لا طريق إلى إثبات الصانع مثلا إلا هذا الطريق الذي ذكروه، ومن ثم يرمون من خالفه بالإلحاد والمروق. يقول: " ثم مما ينبغي أن يعرف أن الذين سلكوا الطرق المبتدعة في إثبات الصانع وتصديق رسله، إذا اعتقدوا أنه لا طريق إلا ذلك الطريق جعلوا
من خالفهم في صحة تلك الطريق ملحدا، أو دهريا، أو نحو ذلك، وهذا يذكرونه في مواضع:
منها: أنهم لما اعتقدوا أن إثبات الصانع تعالى موقوف على إثبات الجوهر الفرد (2) جعلوا إثبات ذلك من أقوال المسلمين، ونفي ذلك من أقوال الملحدين.
__________
(1) انظر: درء التعارض (8/90-91) .
(2) الجوهر الفرد، ويسمى: الجزء الذي لا يتجزأ، أو الذرة، ويعرف بأنه: متحيز لا ينقسم لا بالفك والقطع، ولا بالوهم والغرض [الصحائف الإلهة: السمرقندي ص: 255] ، أو هو: جوهر لا يقبل الانقسام أصلا، ولا بحسب الحارج، لا بحسب الوهم أو الغرض العقلي [التعريفات ص: 41] ، وانظر: المعجم الفلسفي- مجمع اللغة- (ص: 88) ، والمعجم الفلسفي- صليبا (1/588،427،400) ، وانظر: مسألة في إثبات الجوهر الفرد للشهرستاني (ص: 505-511) - طبعت في ذيل نهاية الإقدام، وانظر أيضا مذهب الذرة عند المسلمين بينيس (ص: 1-16) .

الصفحة 983