كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 3)

د- أن هذا أوجب تسلط الفلاسفة على المتكلمين في مسألة حدوث العالم إلى غير ذلك من الوجوه (1) .
5- أما احتجاجهم على صحة دليل حدوث الأجسام بقصة الخليل، وأنه قال: "لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ" [الأنعام: 76] ، وقولهم: إن إبراهيم الخليل "استدل على حدوث الكواكب والشمس، والقمر بالأفول، والأفول هو الحركة، والحركة هي التغير، فلزم من ذلك أن كل متغير محدث، لأنه لا يسبق الحوادث، لامتناع حوادث لا أول لها، وكل ما قامت به الحوادث فهو متغير فيجب أن يكون محدثا، فهذه الطريق التي سلكناها هي طريقة إبراهيم الخليل" (2) .
فقد رد عليهم شيخ الإسلام من وجوه:
أ- "أن قول الخليل (هذا ربي) - سواء قاله على سبيل التقدير لتقريع قومه، أو على سبيل الاستدلال والترقي، أو غير ذلك- ليس المراد به: هذا رب العالمين القديم الأزلي، الواجب الوجود بنفسه، ولا كان قومه يقولون: إن الكواكب أو القمر أو الشمس رب العالمين الأزلي الواجب الوجود بنفسه، ولا قال هذا أحد من أهل المقالات المعروفة التي ذكرها الناس: لا من مقالات أهل التعطيل والشرك الذين يعبدون الشمس والقمر والكواكب، ولا من مقالات غيرهم، بل قوم إبراهيم - صلى الله عليه وسلم- كانوا يتخذونها أربابا يدعونها ويتقربون اليها بالبناء عليها والدعوة لها والسجود والقرابين، وغير ذلك، وهو دين المشركين" (3) ، فليس هناك أحد من العقلاء يقول: إن شيئا من الكواكب أو الشمس أو غيرها هو خالق هذا العالم (4) .
__________
(1) انظر: فيما سبق شرح حديث النزول- مجموع الفتاوى (5/541-545) ، وشرح الأصفهانية (ص: 134-135) - ت السعوى-. ودرء التعارض (1/97-99، 105، 308 - 810، 7/ 71؛ 245،242، 9/170- 171، 10/135) ، ومنهاج السنة (2/199-212) - المحققة.
(2) درء التعارض (1/ 100- 101) ، وانظر في احتجاج الأشاعرة بهذا الدليل: ما سبق (ص: 534، 574-575) ، والاعتقاد للبيهقي (ص: 40) ، والشامل للجويني (ص: 246) ، وأساس التقديس للرازي (ص: 21-22) - ط الحلبي-، وتفسير الرازي (سورة الأنعام آية 76 وما بعدها) (13/46) وما بعدها.
(3) انظر: بغية المرتاد (المسمى بالسبعينية) (ص: 260) - ت الدويش-، ومنهاج السنة (2/142) - المحققة.
(4) درء التعارض (1/313) ، وانظر: منهاج السنة (144/2) - المحققة.

الصفحة 992