كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة (اسم الجزء: 3)

أ- استدل المتكلمون- كما سبق- بدليل حدوث الأجسام، على حدوث العالم، وكان مساق دليلهم يقتضي:
أ- نفي حلول الحوادث بذات الله تعالى، ولذلك نفوا عن الله تعالى أن تقوم به صفات الأفعال، ولما قيل لهم إن تولكم إن الله خالق العالم بعد أن لم يكن العالم موجودا هو قول بحلول الحوادث به تعالى، فأجابوا بمذهبهم المشهور: إن الخلق هو المخلوق، ومعنى ذلك أن صفة الخلق لم تقم بهـ عند الخلق- وإنما وجد المخلوق منفصلا عنه. بينما جاهر المسلمين يقولون: إن الخلق غير المخلوق. فيفرقون بين ثلاثة أشياء: الخالق تعالى، وصفة الخلق التي قامت به تعالى كغيرها من الصفات، والمخلوق الموجد المنفصل عنه تعالى (1) . فيقال في الخلق مثل ما يقال في الكلام والاستواء والنزول من صفات الأفعال التي تقوم به تعالى، وهو سبحانه إذا شاء خلق وإذا شاء لم يخلق، وإذا شاء تكلم وإذا شاء لم يتكلم وهكذا فصفة الخلق قامت به، وعلى قول أولئك هو معطل عن هذه الصفة- وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد بيان في مبحث الصفات-. فالأشاعرة قالوا: الخلق هو المخلوق هربا من القول بحلول الحوادث بذاته تعالى.
ب- لما قالوا: ما قامت به الحوادث فهو حادث، قالوا أيضا: ما لم يسبق الحوادث فهو حادث أو ما لم يخل من الحوادث فهو حادث، ثم قالوا بامتناع حوادث لا أول لها بناء على أن التسلسل ممتنع، وقد احتجوا على ذلك بدليل لهم سموه: برهان التطبيق (2) وبناء على ذلك قالوا: إن الله تعالى لم يكن قادرا
__________
(1) انظر: كلام البخاري في ذلك في خلق أفعال العباد (ص: 186-188) - ت البدر-.
(2) دليل التطبيق، والموازاة والمسامتة، خلاصته: "أن مالا يتناهى إذا فرض فيه حد كزمن الطوفان، وفرض حد آخر كزمن الهجرة، وقدر امتداد هذين إلى مالا نهاية له، فإن تساويا لزم كون الزائد مثل الناقص وإن تفاضلا لزم وقوع التفاضل فيما لا يتناهى" درء التعارض (ص: 304) ، وانظر: الأربعين للرازي (ص: 15) .
وقد رد على هذا الدليل بأن مثل هذا التفاضل جائز، مثل المستقبل، لأن من الطوفان إلى مالا نهاية له في المستقبل أعظم من الهجرة إلى مالا نهاية له في المستقبل، وهو جائز، ووجود التفاضل من الجانب المتناهي لا من الجانب الذي لايتناهى لامحذور فيه. ورد عليهم أيضا أن التطبيق إنما يمكن في الموجود لا في المعدوم فإن تضعيف الواحد أقل من عدد تضعيف العشرة، وعدد تضعيف العشرة أقل من عدد تضعيف المئة والجميع لايتناهى.
انظر: درء التعارض (1/304-305، 2/365-369، 3/40-47، 9/177-197-202) -منهاج السنة (1/432) - ط جامعة الإمام-.

الصفحة 997